إلى أين يتجه الدولار الأمريكي في 2019؟

تتضافر عدة عوامل لتُشكل معاً رؤية سلبية بشأن أداء الدولار الأمريكي خلال عام 2019 في ظل مخاطر هبوطية يأتي على رأسها تكهنات تباطؤ النمو الاقتصادي.

ورغم انقسام الآراء نسبياً إزاء اتجاه الورقة الأمريكية خلال العام القادم إلا أن التكهنات التي تشير لتقويض قوة الدولار كانت هي الفائز بفارق ملحوظ.

مكاسب الدولار

حالف الدولار مكاسب ملحوظة منذ بداية العام الجاري، ليرتفع المؤشر الرئيسي الذي يتبع أداء الورقة الأمريكية مقابل 6 عملات رئيسية من مستوى 92.124 في ختام تعاملات 2017 ليصل إلى 96.581 بنهاية تعاملات 25 ديسمبر، محققاً صعوداً بنحو 4.83%.

أداء الدولار خلال 2018 – (المصدر: وكالة بلومبرج الأمريكية)

واستفاد الدولار من التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين حول العالم خلال 2018، حيث تكالب المستثمرون على الورقة الخضراء كملاذ آمن.

وتلقت عملة الولايات المتحدة الدعم من سياسة التشديد النقدي التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة “جيروم باول” خلال العام الحالي، حيث تحرك المركزي الأمريكي لزيادة معدل الفائدة إلى مستوى يتراوح بين 2.25 إلى 502.% بعد أن نفذ 4 عمليات رفع للفائدة.

كما حازت العملة على دعم قوي من انحسار التوترات الجيوسياسية على خلفية عقد قمة تاريخية بين الرئيس الأمريكي وزعيم كوريا الشمالية في خطوة تهدف لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة النووية.

وتمكن الدولار من تحقيق ارتفاع ملحوظ بالتزامن مع الخسائر في بعض العملات المنافسة مثل اليورو والجنيه الإسترليني والتي جاءت بسبب قضايا تتعلق بخلاف بين الحكومة الشعبوية الجديدة في إيطاليا والمفوضية الأوروبية حول خطة الموازنة إلى جانب مفاوضات البريكست التي احتلت مساحة لا يمكن تجاهلها.

نظرة متشائمة

الهبوط قادم لا محالة، هذه هي الرؤية المشتركة بين غالبية المحللين والخبراء بشأن قيمة الدولار في العام المقبل.

ويرى بنك “مورجان ستانلي” أن العملة الأمريكية وصلت إلى الذروة في الوقت الحالي وأن وقت البيع قد حان وسط توقعات تعرض الدولار للتراجع بالتزامن مع انخفاض أسعار الأسهم وبدء انخفاض عوائد سندات الخزانة.

ووفقاً لرؤية “مورجان ستانلي”، فإنه من المحتمل أن يترجم التباطؤ المتوقع في نمو الاقتصاد الأمريكي (2.3% بالعام المقبل مقابل 2.9% في هذا العام) إلى تراجع في قيمة الدولار والذي يزيد بما يتراوح بين 10 إلى 15% عن قيمته الحقيقية، وذلك لصالح نظرة متفائلة في سوق الأسواق الناشئة التي عانت من عام شاق، على حد قوله.

كما تؤكد “سيتي جروب” أن العملة الخضراء سوف تهبط بنحو 2% أمام الـ10 عملات الرئيسية خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهراً وأن الدولار المنخفض بات أكثر احتمالاً في شروط توازن المحفظة الاستثمارية.

في حين ترجع المجموعة الاستثمارية الأمريكية رؤيتها إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي المطلق وكذلك تفوق الدولارة الاقتصادية بالولايات المتحدة مقارنة بالاقتصاديات المنافسة إلى جانب بدء ظهور الجانب السلبي لعملية رفع الفائدة.

وفي الوقت نفسه، يشير بنك “جي.بي.مورجان” إلى أن العملة الخضراء سوف تبدأ رحلة تراجع بنهاية العام الجاري وتستمر في 2019 حال توقف سياسة التشديد النقدي من جانب الفيدرالي إضافة لتباطؤ النمو الاقتصادي مع بدء بقية الاقتصاديات في الاستقرار أو التحسن.

ويرى البنك الأمريكي أن المسار الهابط لقيمة العملة من المرجح أن يستمر لعدة سنوات حال انخفاض نمو اقتصاد الولايات المتحدة لمستوى 2%.

ويشير بنك “جولدمان ساكس” إلى أن المخاطر الهبوطية أكثر من نظيرتها الصعودية بالنسبة للعملة الأمريكية على مدى العام المقبل مع وجود تغييرات عديدة بالنسبة للوضع الاقتصادي حيث من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ليكون أكثر إتساقاً مع المتوسط العالمي.

وفي تقرير صادر عن بنك الاستثمار “آي.إن.جي”، فإن الدولار مبالغ في قيمته مقابل معظم العملات ما يعني أن أيّ ارتفاعات جديدة للعملة مقابل اليورو والين خلال الأشهر الستة المقبلة من المحتمل أن تكون هامشية.

لكن البنك يضيف أنه مع تقدم عام 2019 قد يصل الفيدرالي للذروة فيما يتعلق بمعدل الفائدة الذي قد يوقف هذه الزيادات بحلول الربع الثالث وهو الأمر الذي سوف ينعكس في شكل موجة بيعية بالدولار.

وبحسب مسح أجرته وكالة “بلومبرج” الأمريكية بشأن تنبؤات العملات الأجنبية، فإن الخسائر ستكون من نصيب الدولار مقابل عملات الملاذ الآمن التقليدية مثل الين والفرنك السويسري.

ويشير متوسط ​​التوقعات لزوج العملات (الدولار الأمريكي-الين الياباني) إلى انخفاض من مستواه الحالي القريب من 113 ين لكل دولار لـ108 ين في نهاية عام 2019.

مخاطر هبوطية

تتزامن الرؤية التي تشير لهبوط محتمل في قيمة الدولار خلال العام المقبل مع عدد من التوقعات حول العالم من بينها خفض تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019.

وبحسب منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، فإنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3.5% في العام المقبل وهو أقل من تقديرات مايو البالغة 3.7%.

وبالنسبة للوضع في الولايات المتحدة، فتتوقع المنظمة أن ينمو بنحو 2.9% و2.7% على الترتيب خلال العامين القادمين لكن مع خطر تراجع بنحو 0.8% في عام 2020 حال فرض الإدارة الأمريكية تعريفات بقيمة 25% على كافة السلع الصينية.

كما خفضت مجموعة “نومورا” اليابانية من توقعاتها لنمو اقتصاد الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين إلى 2.4% و1.7% على الترتيب مقارنة مع التوسع المحتمل لعام 2018 والبالغ 2.9%.

وحذرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد من أن الاقتصاد العالمي يواجه في الوقت الراهن مخاطر كبيرة مع ارتفاع الحواجز التجارية التي تضر كافة الأطراف.

وكان صندوق النقد خفض تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي خلال تقرير أكتوبر الماضي للمرة الأولى منذ يوليو 2016، ليكون 3.7% في العام المقبل بانخفاض 0.2% عن تقديرات يوليو كما قامت بالخطوة نفسها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

وفي سياق آخر، أبدى الرئيس الأمريكي انزعاجه من معدلات الفائدة المرتفعة في سياق حملة هجوم قوية شنها ضد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الذي يرى أن الفائدة تقترب من المستوى المحايد، وهو ما يعني أن الفائدة لا تتسبب في إبطاء أو تسريع وتيرة النمو.

وفي نفس التوقيت، أبدى تقرير الاستقرار المالي الذي أصدره الفيدرالي الأمريكي، نبرة قلقه من أن زيادة معدلات الفائدة يمكن أن تُشكل تهديداً للسوق والاقتصاد فضلاً عن تعليقات رئيس البنك “جيروم باول” بأن الفائدة قرب المستوى المحايد.

الجانب المشرق

التوقع السلبي لم يكن منفرداً، حيث أعطى البعض نظرة متفائلة بشأن قيمة العملة في المستقبل مع الإشارة إلى أنه من المرجح أن يغذي الطلب على الملاذ الآمن الدولار حال ابتعاد المستثمرين عن الأسواق المتقلبة.

ويتوقع “ديفيد بلوم” المحلل في بنك “إتش.إس.بي.سي” أن يكون الدولار والين الفائزان في الفترة المقبلة حتى في حال تراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين وقيام الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة.

ومن المرجح أن تظل الورقة الخضراء في اتجاهها الصاعد ليصل إلى 1.10 دولار أمام اليورو بحلول نهاية عام 2019 وهو ما يمثل ارتفاعا نسبته 3% تقريباً عن المستويات الحالية، وفقاً لـ”إتش.إس.بي.سي”.

وفي نفس الاتجاه، يؤكد خبراء استراتيجيون في بنك “باركليز” أن الشائعات حول ضعف الدولار كانت مبالغ فيها إلى حد كبير متوقعين زيادة تتراوح بين 2 إلى 3% في عام 2019 ليكون النصيب الأكبر من دعم المكاسب متوقف على استمرار الفيدرالي في رفع معدل الفائدة خلال النصف الأول من العام.

لكن الفيدرالي خلال اجتماعه الأخير لعام 2018 انتهج لهجة مختلفة مع خفض وتيرة زيادة معدل الفائدة في العام المقبل إلى مرتين بدلاً من 3 مرات متوقعة سابقاً مع التأكيد على الاعتماد على البيانات الاقتصادية.

تحرير

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات