مارو نبيل تكتب حلم جميل

ما أقبح الليل وأروع ظلمته وما أبداع النهار حين تعانق الشمس صياح الديكة كي تحيك خيوطها وتنثرها أمام نوافذ فندق ” تويونف والذي يقع وسط منطقة العطارين بمدينة الأسكندرية .. في إحدى الغرف المكتوب أعلى بابها ” 89 ” جلس رجل تجاوز الستون ، طويل القامة عريض المنكبين باتت ملامحة شاحبه .. تاهت وسامتة بين خطوط الزمن ومفارق العمر.. عيناه التي كانت تشع منها بريق حب أنطفأ بريقها تحت قشور التجاعيد ..يداه مثل جفاف الآرض وقسوتها ، وحيد مثل قطعة أثاث لم يتبق منها سوي شظايا متشبثة ببعضها تخشى الأفتراق …
 أنا هكذا اعتاد كل صباح أن أحتسي قهوتي التي أصطحبتني طيلة رحلتي تارة مره وتارة ملعونه كسنواتي وتارة أرى فيها حياة كنت مثل الشمس تنهار وتحترق دون آن تضمحل ولا أحد يرى منها سوى خصلتها المذهبة تنثر في الصباح كي تصلح ما أفسده الليل من حزن و خوف و روح عارية تسبح في البكاء وصرير الأسنان من ظلمة مستوحشة ، أكره الليل بما فيه من احتواء مزيف لغطاء يلتف حول جسدي المنهك مذبول مفعم بشيخوخة التي باتت علي اعتاب الرحيل قبر ينتظرنى وقبر يسكننى ولا أجد فرق بينهم وأيضآ غرفتى مثل قبر أجلس فيها حد الملل و روحي المليئة بالأحاديث تكاد تصرخ وتبوح بمكاتيب وأقوال فالكون ينفجر بكاء ولا أجد في محارمك صوت يتناثر الوهم برداء مزقته أيادي الصمت الكل يتفاخر كذب ويداعب أنماط الجهل ..
هنا يا حبيبتي أسكن لأجلك كي أراقب عمري الذي مضي بين جروح الآشتياق ولعبة الأقدار كم كنت أنتظر أن تطلي من بين ستائر غرفتك حتي أسرق من وجهك خيوط نور وأنسج بيهم ربيع الوجد كي أعود من مقبرتي التي دفنت فيها منذ رحيلك كم هو قاسى رحيلك وإنت علي قيد الحياة كنت أعتقد بأنك علي قيدى ولكنك رحلتي وتركتينني للموت تركتي لي حزنى وخطابك الذي لم يفارقني منذ تلك الساعة ،
أتذكر كلماتك جيدا أتذكرها جملة وحرف ومعني عندما قلتي لي .. أنت معزوفتي الكلاسيكية وقد سافرت لك علي أوتار الحنين ، كسرب من الحروف الأبجدية كونت لك قصيدة لم تعزف الإ علي نهج الكمان الروح تبدع ولحظات التجلي وقت صعودي إلي نرفانتي يتنحي الجسد عن ممارسات تقوسه و تنحني الروح اجلالآ لك .
أراك مثل قمر تسطع في ليالي ممطرة سماء تضوي وشمس تضئ في قلب الخريف تسقط ندي عطر شذي يفوح منها عبق غناك وتمتامات تتسلل بين نبصات تروي لقلبي جفاف كوكب جديد وأرض أخري أراك … وفي هذا الوقت الذي أتذكر فيه كل هذه الأحاديث أشعر بالعجز أمام بركان أنغمر من حيث لا آدرى أمطار تهطل علي ولا أعلم من أين أتت أصوات نشاذ من حولي تصيح في أذني وهي تنطق أسمي _ أصحي بقي يا جميل هو أحنا كل يوم ع لموال الأسود ده ياللاه بقي هتتأخر علي شغلك .
أستيقظ جميل علي صوت زوجتة المزمعه كل يوم أن تصدر أصوات مثل أصوات طبول الحرب لإيقاظه وهي مستخدمة أسلحتها كالماء حتي ينهض من نومه الثقيل وعلي وجة علامات الأستفهام من أمر حلمه هل هذا الحلم الذي رأيته كان لتلك المرأة وهل حقآ سيأتي اليوم الذي سوف أشتاق لتلك الحيزابونه وأموت قاهرآ لفراقها ؟!
ذهب جميل مسرعآ إلي عمله وهو يحمل في قلبه تلك الأسئلة…

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات