تاريخ الطباعة في لبنان وتفوقها في مجال الصحافة والإعلام (الجزء الحادي عشر 11)

كتبت : كرستين عوض

يقول الكاتب المصري” محمود تيمور” ليست الصحافة إلا وليدة البيئة و صورة العصر و مرآة تنعكس على صفحتها بدوات المجتمع و نزواته .

لاشك بأن الصحافة وكما تسمى “السلطة الرابعة” ان تكون العين الراصدة والجهة الرقابية والتي تضع الجميع أمام مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية والإنسانية،فهي بدون شك لها دور كبير في صناعة الرأي العام حول أية قضية، بل هي التي تسلط الأضواء على كل فساد في المجتمع وتدق ناقوس الخطر على اي قرار ضد المصلحة العامة ، ولذلك لابد أن تعطى الصحافة المجال لممارسة دورها الانتقادي البناء ومحاربتها كل سلوك وتصرف سلبي يسبب زعزعت امن الوطن .

 اولا: نشأت الطباعة في لبنان :

تميز لبنان مع نهايات القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر الماضي بنهضة أدبية وثقافية واسعة بدأت مع أواخر الوجود العثماني والانتداب الفرنسي وقد ظهر في تلك الحقبة المئات من الأدباء والشعراء والعلماء والفلاسفة والمفكّرين جلهم من بلاد الشام من بينها لبنان، ومن أبرز هؤلاء جبران خليل جبران وأمين الريحاني وتوفيق يوسف عواد وغيرهم ممن ساهموا في تعزيز النهضة الأدبية والعلمية العربية والمحافظة على لغة العرب وعلومهم وإرث فلاسفتهم كتراث وقاموا بصوغ إنتاجهم الفكري والعلمي ومواكبة الثورة العلمية الكبرى ومجالات تطورها وأهمها تعريب المصطلحات العلمية وإدخالها إلى القاموس العربي بأرقى ما يكون الفن والإبداع.

وتحتفظ بلدة الخنشارة بمنطقة جبل لبنان في دير القديس مار يوحنا الصايغ للكاثوليك باحتوائها على إرث فـريد من نوعه وهو المطبعة العربية الأولى في الشرق التي تأسست عام 1733م وطبعت أول كتاب بالحرف العربي كان بعـنوان (ميـزان الزمـان) ، لهذا عمد لبنان الرسمي إلى الإحتفال بمرور 250 سنة على وفاة مؤسس المطبعة العربية الأولى في العالم الشماس عبد الله زاخر، وفيما بعد اتخذ قرار بتحويل المطبعة إلى متحف جرى افتتاحه في احتفال رسمي في العام 1998م ، وتأسست في بيروت عام 1751م أول مطبعة وهي مطبعة (مار جاورجيوس) للروم الأرثوذكس وتوقفت عن العمل بوفاة مؤسسها الشيخ يونس نقولا جبيلي عام 1834م .

وفي عام 1808م أحضر الراهب سيرانيم الشوشاني مطبعة معه من روما، وأنشأ مطبعة ثانية في دير مار قزحيا خصصت لطباعة الكتب الدينية. والجدير بالذكر أنه مع بدء نشاط المطبعة الأميركية في بيروت إنطلق (الحرف المشكول) الذي بات يعرف باسم (الحرف الأميركاني).

ومن أبرز المطابع في بيروت مطبعة “دار صادر” التي تأسست عام 1863م والتي اهتمت بطبع الجريدة اللبنانية الرسمية المتخصصة بنشر القرارات والمراسيم الصادرة عن الجهات الرسمية اللبنانية كمجلس النواب ومجلس الوزراء بالإضافة إلى إصدار المطبوعات والمنشورات القانونية والحقوقية كما وأن مطبعة عيتاني تميزت آنذاك بأهميتها لكونها من المطابع الأولى التي استخدمت الـ (الأوفست) ومطبعة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي تأسست عام 1936م وكانت متخصصة بطباعة الكتب المدرسية.

اما عن دور النشر العاملة حاليا هي دار صادر ومكتبة لبنان والدار العربية للعلوم ودار الفكر ودار الكتب العلمية وبيسان والفرات ودار الساقي ودار رياض الريس ودار الفارابي وغيرها ، وأن عدد دور النشر المسجلة في نقابة الناشرين بلبنان يبلغ ال 600 دار إلا أن 225 دار نشر هي العاملة.واما أبرز معارض الكتب في لبنانحاليا أوضح صادر أن أشهر معارض الكتب في لبنان هي معرض بيروت العربي الدولي للكتاب ومعرض انطلياس للكتاب ومعرض طرابلس للكتاب بالإضافة إلى معرض الكتاب للدول الناطقة باللغة الفرنسية “الفرانكوفون”.

 ثانيا : نشأت الصحافة في لبنان :

عرف لبنان الصحافة منذ عام 1858 ،مروا بالعهد العثماني، ثم مرحلة الانتداب والاستقلال،ففي عام 1858 أصدر اللبناني خليل جبرائيل الخوري أول صحيفة مستقلة، “حديقة الأخبار” في بيروت . وفي العام نفسه، أصدر رشيد الدحداح، وهو لبناني الأصل، جريدة عربية في باريس، تحت عنوان “برنجيس باريس”، ويعتبر لبنان من أكثر الدول العربية شهرة بهذه المهنة ، لأنها تحتل مركز الصدارة في مجالات الإعلام والإعلان والتثقيف والدفاع عن الحرية في العالم العربي، والإعلام في لبنان حر وغير موجه ومتعدد .

بالرغم من أن انتشار الصحف في عصر ما قبل الإنترنت كان بطيئا، إلا أن الصحف اللبنانية كانت تـسيطرعلى صناعة الرأي العام العربي وتـساهم إلى حد كبير في نشـر الوعـي الليبرالي والتـداول الحر للأفكار والعقائد في الشرق الأوسط.

فبعد قيام نظام المتصرفية في لبنان سنة 1861 كان داوود باشا أول متصرف غير لبناني على الوطن، وأسس أول جريدة هي “لبنان الرسمية” سنة 1867 ثم توالت الدوريات الرسمية أو “شبهها” مع خلفائه في لبنان، نوردها على التوالي:

1- في عهد المتصرفية (1860- 1918):

عصر الإمبراطورية العثمانية شهـد حـقبة من الاضطهاد الشديد للصحفيين في لبنان، فانتهى الأمر ببعض الصحفيين اللبنانيين إلى الفـرار إلى مصر .

نذكر جريدة لبنان الرسمية سنة 1861 مع داوود باشا، حديقة الأخبار سنة 1868 (الخاصة) مع فرنقو باشا، بيروت الولاية وبيروت غزته سي (بالتركية) مع علي باشا، لبنان سنة 1891 (الخاصة) مع واصف باشا، ولبنان المتصرفية 1909 مع يوسف فرنقو باشا.

وجريدة بيروت الرسمية سنة 1918:

صدرت “الجريدة الرسمية بيروت سنة 1918″، بعد سقوط سوريا في يد الملك فيصل ،مما استتبعه إنهيار السلطنة العثمانية في بيروت ، وبيروت هذه صدرت يوميا ما عدا يومي الجمعة والأحد وباللغة العربية فقط، وجاءت في صفحتين اثنتين فقط .

2- في عهد الإنتداب الفرنسي (1918- 1947) :

فرض الفرنسيون قوانين صحافة أقسى. ومع ذاك، أثبتت الصحافة اللبنانية في كل هذه المراحل قـدرة فائقة على الصـمود والاستمرار، ففي عام 1929كان هناك في لبنان 271 صحيفة تطالب غالبيتها بالاستقلال وترفـض الأنظمة القمعية الخارجية.

نذكر منها جريدة لبنان الكبير الرسمية سنة 1920، لبنان الكبير الرسمية سنة 1921 (بالفرنسية)، النشرة الرسمية للأعمال الإدارية للمفوضية العليا الفرنسية سنة 1921، الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية سنة 1926 (الإنتدابية)، الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية سنة 1926 (بالفرنسية). كما صدرت صحف اخري في تلك المرحلة منها: صوت الأحرار، النداء، بيروت، لبنان، اللواء، البلاد، الدبور، الديار، آسيا، العمل، النهار والشرق.

3- في ما بعد الإستقلال (1943- 1975):

في نهاية الحرب العالمية الثانية، نال لبنان استقلاله، لكن أول نظام وطني فرض قوانين إعلام أكثر قـسوة حتى من الفرنسيين والعثمانيين. ولكن الصحافة اللبنانية رفضت مرة أخرى الرضوخ، فنشبت عام 1952 انتفاضة شعبية ضد الحكومة أسفرت عن إصدار قانون مطبوعات أقل تسلطا. ثم صدر عام 1962 قانون مطبوعات جديد ضـمن حرية الصحافة.

تعرضت الصحافة اللبنانية للتنكيل بشكل لم تعرف له مثيل من قبل. وقد أحالت الحكومة على المحاكمة في يوم واحد سبع صحف، وهي: “النهار”، “البيرق”، “الهدف”، “الصياد”، “الديار”، “العمل” و”الأحرار”. وأقامت الحكومة عليها الدعوى، وقد أدى ذلك الى إعلان الصحافة الإضراب العام عن الصدور دفاعاً عن الحريات، وكانت مطالبها محدّدة في ثلاثة بنود:

– تصديق قانون المطبوعات الموجود في المجلس كما وافقت عليه النقابة

– إلغاء قانون الطوارئ

– الإفراج عن الصحف المعطّلة ومنع محاكمتها

ومن أبرز صحف هذه الفترة: “الحياة” التي أسسها “كامل مروة” عام 1946 ، وكانت أول جريدة تستقدم آلة خاصة “تلتيب”، بالإضافة الى “بيروت المساء” و”الزمان” وأول جريدة يومية في طرابلس “الإنشاء” التي أصدرها “محمود الأدهمي”.

ثم شهدت هذه الفترة ولادة مجلات سيكون لها دور فاعل في الصحافة والحياة العامة، مثل “الصياد” ، و”الأنباء” مع الحزب الإشتراكي وبالأخص مع “كمال جنبلاط”.

4- في عهد الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1989) :

ورغم الحرب الأهلية الطاحنة في 1975-1989 التي دمـرت البلاد ومعها سـوق العمل والاتصالات بين المناطق، نهضت الصحافة اللبنانية من بين الركام، فتم في عام 1991 إحصاء 53 صحيفة يومية و48 مجلة أسبوعية و4 مجلات شهرية، إضافة إلى أكثر من 300 مطبوعة غير سياسية.

إنعكست مرحلة الحرب الأهلية في لبنان سلباً على الصحافة، فعاشت مرحلة غربة وتفكك وهجرة. وتمتد هذه المرحلة من العام 1975 حتى العام 1990، ومن أبرز مظاهر هذه المرحلة، فهي:

– توقف عدد من الصحف عن الصدور بسبب الحرب من ناحية، وغلاء المعيشة من ناحية ثانية.

– منافسة صحف أخرى غير لبنانية في الأسواق العربية، وضيق السوق المحلية وتجزأتها.

– إرتفاع نسبة عدد النشرات غير الشرعية التي تصدر في لبنان، والتي تجاوزعددها المئة، ثم توقف أكبر نسبة من الصحف الشرعية عن الصدور.

– هجرة عدد من الصحف والصحافيين الى أوروبا وبعض البلدان العربية.

– منافسة الوسائل الإعلامية السمعية البصرية للصحافة المكتوبة، وبالأخص على السوق الإعلانية.

– إرتفاع نسبة تكاليف الصحيفة، خاصةً مع الأخذ بالأساليب التقنية الجديدة.

وتوجد في لبنان وكالتي أنباء تمتلكهما الدولة اللبنانية. منها الوكالة الوطنية للإعلام (NNA) المؤسسة الرسمية للأخبار في لبنان، أطلقت عام 1964. كان عدد المشتركين فيها عام 1974 حوالي ال600. والوكالة الثانية التي تعتبر وكالة رسمية كمؤسسة حكومية هي وكالة الأنباء المركزية.

كما أنشأ الناشرون اللبنانيون دور نشر في أوروبا مثل “دار الريس”، وفي الدول العربية مثل “مكتبة خياط”. اختارت منظمة اليونسكو مدينة بيروت عاصمة للكتاب العالمي لسنة 2009.

ومن أبرز الصحافيين اللبنانين : جبران تويني، ميشال شيحا، جورج نقاش، ميشال زكور، يوسف الخازن وخيري عوني الكعكي، موسى نمور، يوسف الخازن، شبل دموس، خير الدين الأحدب، خليل أبو جودة، محي الدين النصولي، الفرد نقاش، وخليل كسيب.

وقد قدمت الصحافة اللبنانية عديد من الشهداء الصحفيين منهم جميل مروة وجبران المتني الذين اغتيلوا في أواخر ستينات القرن العشرين ورياض طه وسليم اللوزي إبان الحرب الأهلية، كما اغتيل سمير قصير وجبران تويني بسبب مواقفهم من ثورة الأرز الداعية لاستقلال لبنان، كما تعرضت مي شدياق إلى محاولة اغتيال أدت إلى بتر يدها وساقها، بالإضافة إلى ذلك فقد هرب العديد من الصحفيين اللبنانيين من لبنان بسبب التهديدات التي تلقوها بسبب مقالاتهم.

فالصحافة اللبنانية، أكثر من أي صحافة عربية أخرى، تعرضت لشتى عمليات النهب، والسرقة، والنسف، والتهديد، والهجوم، والقصف.

والصحافة اللبنانية تاريخ يمتد أكثر من 150 عاما، فهل يخسر لبنان تفوقه الإعلامي ،بعد أن فقـد ميزاته في قطاعات أخرى، كالتعليم والرعاية الصحية والمصارف ، بسبب الحروب الأهلية والخارجية المتـصلة على أراضيه؟ وهل ثمة مخرج من هذه الأزمة؟

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات