العلاقات المصرية اللبنانية السياسية وموقف مصر بشأن الأوضاع اللبنانية ( الجزء 19)

كتبت : كرستين عوض

ساندت مصر لبنان الشقيقة في حل الكثير من القضايا والأزمات السياسية اللبنانية، وتعتبر مصر الدولة العربية الأولى التى اعترفت باستقلال لبنان فى الأربعينات، وشكلت القاهرة مركزا للتفاوض على استقلال لبنان، واستضافت اجتماعا حضره كل من الرئيس بشارة الخورى و رياض الصلح برعاية رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس باشا فى الأربعينات، ونتج عن الاجتماع إعلان التحالف بين الخورى والصلح وصياغة “الميثاق الوطني”، الذى أسس نظام الحكم فى لبنان فى مرحلة ما بعد انتهاء الانتداب الفرنسي .

كما أهدي رياض الصلح أول رئيس وزراء لبناني بعد الاستقلال “شجرة الأرز” إلى مصر، ردًا على وقوف مصر حكومة وشعبًا إلى جانب استقلال لبنان إبان مرحلة استقلال لبنان في الفترة من 1941 إلى 1943، حيث حمل رياض فرعًا من شجرة الأرز وجاء به إلى الإسكندرية عام 1944، وجرى زرعه في التربة المصرية، في احتفال رسمي حضره الملك فاروق ومعه رئيس الوزراء مصطفى النحاس والوزراء وكبار المسئولين المصريين من عسكريين ومدنيين.

وعلى إثر اشتداد الأزمات اللبنانية والأحداث التي حصلت بين عامي 1840 و 1860 ازدادت الهجرة إلى مصر ،وشكلت بذلك جاذباً قوياً للبنانيين ، ولكن على آثر سياسة التأميم التي انتهجت في الخمسينات، تراجع التواجد اللبناني في مصر، حتى تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، والتي كانت فاتحة لموسم هجرة لبنانية جديدة، فسافر اللبنانيون إلى بلاد الغربة، هرباً من الموت، أو بحثاً عن لقمة العيش، فكانت مصر محط رحال أساسي في الأجندة اللبنانية.

 العلاقة المصرية اللبنانية فى عهد عبد الناصر :

وقد تطورت العلاقة المصرية اللبنانية ، خاصة فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر بسبب دعمه المستمر للبنان والدول العربية وخصوصا بعد إنشاء “جامعة الدول العربية” 22 مارس 1945،وانشاء الجمهورية العربية المتحدة 22 فبراير 1958 ، والتى رحبت بهما لبنان، كما ساندت لبنان مصر اثناء العدوان الثلاثي “الحرب التي شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956”.

وتشاء الصدف التاريخية ان يتزامن قيام الثورة المصرية بقيادة جمال عبدالناصر في 23 يوليو 1952 مع قيام انقلاب سياسي في لبنان اوصل بعد شهرين كميل شمعون الى الرئاسة في 22 سبتمبر من العام عينه. واتسمت ولاية شمعون بالخصومة مع عبدالناصر وتحولت تدريجياً الى عداوة اوصلت لبنان الى الانقسام المسلح في العام 1958 بين الناصرية والشمعونية.

الدولة اللبنانية في عهد فؤاد شهاب، وكان الرئيس الجديد قد ابقى الجيشاللبناني بعيدا عن التورط في احداث 1958، وجرى تفاهم بين فؤاد شهاب الذي قرر ان يسير في خط جمال عبدالناصر العربي في السياسة الخارجية، وجمال عبدالناصر قرر ان يؤيد السياسة الداخلية التي يتبعها فؤاد شهاب، وتطور هذا التفاهم بين الرجلين لصالح لبنان الذي وصل الاستقرار والازدهار فيه إلى ما عرف “بالعصر الذهبي” في لبنان. واستمرت العلاقات اللبنانية ـ المصرية مستقرة في هذه الفترة .

في عهد شارل الحلو ،قامت مظاهرات وأزمة سياسية في لبنان بين رئيس الجمهورية شارل حلو ورئيس الحكومة رشيد كرامي، مما جعل عبدالناصر الي التدخل المباشر لمنع تفاقم الازمة ، مما دفعه إلى توقيع ما عرف باتفاقية القاهرة في نوفمبر من العام 1969. وقد اعترفت هذه الاتفاقية بحق الفلسطينيين في تسليح المخيمات حفاظاً على امنهم الذاتي. ووافق رئيس الجمهورية شارل حلو والقيادات والاحزاب اللبنانية على هذه الاتفاقية على الرغم من معارضتهم .

واتسمت هذه الفترة بالصداقة القوية بين مصر ولبنان ،حتى أن اللبنانيونخرجوا في الشوارع ،حينما أعلن عبد الناصر التنحي بعد نكسة 1976.

 في عهد انور السادات :

بعد رحيل عبد الناصر وتولى السادات حكم مصر استمرت العلاقة الوطيدة بين مصر ولبنان، وامتدت العلاقة خارج الإطار السياسى ودعمت مصر الدول العربية ومنها لبنان فى حربهم ضد إسرائيل، كما وقفت لبنان والدول العربية بجوار مصر فى حرب أكتوبر 1973 وشهدت العلاقة توترا بعد أن تخلت لبنان والدول العربية عن مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن عادت العلاقة بين البلدين عقب القمة العربية فى عمان 1987 .

 في عهد حسني مبارك :

 موقف مصر من العدوان الاسرائيل علي لبنان :

و فى أعقاب اغتيال رفيق الحريرى عام 2005 لعبت مصر دورًا مهمًا مع المنظومة العربية والعالمية ووقفت بجانب الشعب اللبنانى ودعمته فى حربه ضد العدوان الإسرائيلي . وقد ساندت مصر عملية السلام إلى أن انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان فى عام 2000 .

كما وقفة مصر الي جانب لبنان فى مواجهة الضربات الإسرائيلية لمنشآته المدنية ومحطات الكهرباء عام 2006،واصدر الرئيس مبارك توجيهاته بإصلاح كافة محطات الكهرباء التى دمرها العدوان الإسرائيلى ، وهو الأمر الذى تم تباعا بأيدى المهندسين المصريين والمعدات المصرية ،كما تم إنشاء مستشفى عسكري لمساعدة المصابين.

كما ساندت مصر لبنان الشقيقة أثناء العدوان الإسرائيلى عليها عام 2006 ، من اجل الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية وضمان استقلال وسيادة لبنان.

و حرصت مصر على المشاركة فى جلسة انتخاب الرئيس ميشال سليمان فى 25 مايو 2008 ،بوفد عال المستوى ضم كل من السيد رئيس مجلس الشعب، والسيد وزير الخارجية وفى الإطار ذاته، قام السيد سعد الحريرى رئيس الوزراء بزيارة القاهرة العديد من المرات .

كما بعث مبارك رسالة مع نائب رئيس الاستخبارات المصرية الفريق عمر قناوي على عدد من المسؤولين اللبنانيين،في 2008 تتمحور حول حرص مبارك على وحدة لبنان، وتعرب عن قلقه على الوضع السياسي العام، مع ما يمكن ان يحمله ذلك من انعكاس أمني على الارض.

واستقبل الرئيس المصري حسني مبارك، فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية في القاهرة عام 2009 لإجراء مباحثات مع كل من ورئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى حول المستجدات على الساحة اللبنانية، في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة هناك، وفوز فريق 14 آذار (مارس) بالأغلبية النيابية، فيما شدد السنيورة في تصريحاته للصحافيين على أن «قضية الثلث المعطل انتهت فعليا لأنه لا علاقة للدستور بهذا الأمر».

كما عقدت أول قمة مصرية لبنانية بين الرئيس السابق مبارك والرئيس اللبناني ميشال سليمان فى القاهرة ، وتناولت المباحثات تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وتطورات الأوضاع السياسية فى لبنان والحوار الوطني اللبناني بين مختلف القوى السياسية ، خاصة أن مصر شددت على دعمها للجيش اللبنانيباعتباره صمام الأمان للدولة اللبنانية التي تتكون من قرابة الـ17 طائفة، حصرت مصر على التوازن الشديد في التعامل معها.

 العلاقات في عهد المعزول محمد مرسي :

وبعد خلع “مبارك”،عن رئاسة الجمهورية في ثورة 25 يناير 2011، واعتلاء الإخوان الحكم برئاسة محمد مرسي، توترت العلاقات بين مصر ولبنان، بسبب عدم استقرار البلاد.

 العلاقة بين البلدين في عهد الرئيس السيسي :

بعد ثورة 30 يونيو ،ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد السلطة، اعطي أهمية كبرى لعلاقة بين البلدين تمثلت فى عدة زيارات قام بها وزير الخارجية سامح شكري إلى بيروت، والذي التقى معظم الأطراف اللبنانية وأكد وقوف مصر على مسافة واحدة من كل القوى السياسية اللبنانية.

و على غرار تعميق العلاقات بين البلدين ،صدق الفريق أول صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي آنذاك فى 28 ابريل 2014على إقلاع طائرة عسكرية الي مطار بيروت وعلي متنها 12 طنا من الأدوية والمستلزمات الطبية والتعيينات والمهمات المقدمة من مصر الي دولة لبنان الشقيقة لدعم مستشفى السلام المصرية التابعة للقوات المسلحة بمدينة بيروت.

وفى 20سبتمبر2014، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بنيويورك، تمام سلام رئيس وزراء لبنان، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بحثا الجانبان القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.

كما غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا الرئاسي في 25مايو 2014 ،وشهدت لبنان أسوأ وأصعب فراغ رئاسي، وذلك لأكثر من عامين تقريباً، وتعد أزمة الفراغ الرئاسية الأخيرة هي أسوأ أزمات الفراغ في تاريخ لبنان منذ الاستقلال .

وعقب فشل مجلس النواب اللبنانى فى انتخاب رئيسا للجمهورية فى أكثر من 20 جلسة، بسبب رغبة حزب الله فى فرض رئيس يحمل أجندتها وأفكارها، وهو ما ترفضه غالبية القوى السياسية اللبنانية ، نجحت القاهرة فى جمع رموز الحركات السياسية اللبنانية على طاولة واحدة، للوصول الي حل ينهى حالة الشغور الرئاسى فى البلاد.

فقد التقى وزير الخارجية سامح شكري والسفير المصري في بيروت الدكتور محمد بدر الدين زايد، بالعديد من الرموز السياسية اللبنانية وممثليهم وذلك في خلال زيارته لبيروت وكان في مقدمة المشاركين العماد ميشال سليمان رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، وأمين الجميل رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، وفؤاد السنيورة رئيس الوزراء الأسبق، وعلى حسن خليل وزير المال ممثلا للرئيس نبيه بري،و العماد ميشال عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح، والدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، وجبران باسيل وزير الخارجية، وريمون عريجي وزير الثقافة ممثلا للوزير سليمان فرنجية.

وفي أبريل 2016 قام نبيه برى، رئيس مجلس النواب اللبنانى، رئيس الاتحاد البرلمانى العربى، بزيارة لمصر، استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى. تطرق اللقاء إلى الأزمات التى تمر بها بعض دول المنطقة.

وبعد عامين ونصف من شغور منصب تم انتخب ميشال عون رئيسا للبنان في 31 اكتوبر2016، وقد اعربت رئاسة الجمهورية المصرية عن خالص التهنئة للشعب اللبناني ،بمناسبة انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية ، متمنيةً للرئيس عون خالص التوفيق ، بما يساهم في مضى البلاد قدما على طريق التقدم والازدهار.

وقد قام ميشال عون رئيس لبنان في 13فبراير 2017، بزيارة لمصر استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى. لبحث الجانبان سبل تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية بين مصر ولبنان، لا سيما على الصعيدين الاقتصادى والتجارى.

كما استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، صباح يوم الأربعاء الموافق 22 مارس 2017، رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والوفد المرافق له.

كما إن الرئيس السيسي وفى أكثر من لقاء مع شخصيات لبنانية أكد الدعم المصري الكامل لاستقرار لبنان واستعداده لتقديم كل ما يساعد فى ذلك ،وبالفعل الموقف المصرى من أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري عام 2017، أكد على ذلك حيث قام وزير الخارجية المصري بزيارة كل من الرياض وبيروت لبحث حل الأزمة.

و تواصل السيسي شخصيا مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، والعماد ميشال عون، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للبحث عن حل لهذه الازمة، واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقاهرة في 21 نوفمبر 2017 سعد الحريري رئيس وزراء لبنان، حيث تناول اللقاء آخر مستجدات الأوضاع في المنطقة، وتطورات الموقف في لبنان .

في أكتوبر 2018 قام جبران باسيل، وزير الخارجية والمغتربين اللبنانى، بزيارة لمصر، استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى. تطرق اللقاء إلى عدد من الموضوعات المتعلقة بسبل الارتقاء بالعلاقات المصرية اللبنانية خلال الفترة المقبلة، خاصة على صعيد التعاون الثنائى فى مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار.

وفي مارس 2019 قامت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بزيارة للبنان والتقت مع عدد من الشخصيات المؤثرة فى المجتمع اللبنانى والإعلاميين والفنانين والشخصيات العامة.

تحرير

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات