من سيحسم الصراع الليبى ؟ وما هو موقف مصر من استقرار ليبيا (الجزء 16)

كتبت : هناء عوض

تُعد مرحلة تحرير العاصمة الليبية طرابلس التي بدأها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير “خليفة حفتر” مطلع أبريل 2019 أهم حلقات حسم الصراع الليبي الذي بدأ تمدده بعد مقتل العقيد الليبي “معمر القذافي” عام 2011. وبذلك، يُعتبر نجاح الجيش الليبي في حسم معركة طرابلس مدخلًا مهمًا لعملية الاستقرار السياسي الذي قد تشهده المنطقة خلال السنوات القادمة.

يهدف الجيش الوطني الليبي من حسم معركة طرابلس إلى الرغبة في تغيير الأوضاع على الأرض، وحرمان حكومة الوفاق الوطني من السيطرة على النفط الذي يُعد مصدرًا أساسيًا لتمويل الميليشياتالتي تدين لحكومة الوفاق الوطني.

بالإضافة إلى ذلك، يسعى الجيش الليبي لتأمين إمدادات النفط في مناطق الغرب، وتتخوف الأوساط الليبية في الداخل من تحول حالة الانقسام الحالية بين طرابلس وبني غازي إلى حربٍ أهلية طويلة خاصة في ضوء انتشار السلاح بين القبائل. ويكمن مفتاح انتصار الجيش الوطني الليبي في مهمة تحرير طرابلس في شبكة التحالفات التي يستطيع أن يعقدها مع القبائل والقوات المحلية التي ستؤمن ظهر قواته المتقدمة إلى طرابلس.

وتستند حكومة الوفاق الوطني بقيادة “فايز السراج” على دعم الميليشيات التي شاركت في إسقاط القذافي، وسيطرت على مستودعات الأسلحة في ظل حالة الفوضى التي شهدتها ليبيا بعد 2011.

وتتسم حالة هذه الميليشيات بغياب الترابط والتنظيم فيما بينها، ولكن تمكنت حكومة السراج مؤخرًا من تشكيل غرفة قيادة مشتركة للربط والتنسيق بين عشرات الميليشيات التي تشكلت لأهداف بعضها يحمل طوابع إما ميليشياتية، أو مناطقية، أو حتى قبلية.

موقف مصر اتجاه مستقبل ليبيا:

يقوم الرئيس السيسي بعدة انشطه ، حيث انه التقى مع وزير خارجية روسيا فى شهر ابريل 2019، مؤكدا دعم مصر لإعادة بناء المؤسسات الوطنية الليبية وجهود توحيد المؤسسة العسكرية، داعيا المجتمع الدولي إلى ضرورة التحرك العاجل لوقف تدهور الأوضاع في ليبيا وتدارك خطورته، وقال «إن عامل الوقت حاسم للغاية في منع انتشار التنظيمات المتطرفة».

وفى شهر ابريل من نفس العام اكد المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبى ،أن العلاقات مع مصر أمر غير قابل للتعليق، فمصر وليبيا نسيج واحد وأخوة وموقف المصريين والرئيس داعماً للشأن الليبى لأنه أمن قومى واحد وأى مساس بليبيا هو مساس بمصر وأى هدف قلق فى ليبيا المقصود به مصر بالدرجة الأولى،وأنه لولا نجاح الرئيس عبدالفتاح السيسى لكان الوضع مختلفا جدا.

المستشار عقيلة صالح بصفته أعلى سلطة تشريعية فى ليبيا ، فهو أول رئيس للبرلمان الليبى بعد ثورة 17 فبراير، يعتبر رأس الدولة الليبية الآن، وهو يمثل ليبيا فى المحافل الدولية، يشكل تعاونه وتنسيقه مع المشير حفتر أساسا مهما للحفاظ على مؤسسات الدولة، يبذل دورا مهما فى استمرار عمل أحد أهم المؤسسات فى ليبيا وهى البرلمان، يرى ان المشهد الليبى فى الفترة المقبلة هذا العام سيكون عام خير إن شاء الله وستنتهى هذه الأزمة فى طرابلس وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام.

واضاف ،على الليبيين لم الشمل والمصالحة،وعليهم أن ينسوا الماضى، مرحلة ما بعد النزاعات وما بعد الصراعات لابد أن يكون فيها انتقال إلى العدالة والمصالحة الشاملة بين الليبيين،وبمجرد خروج التدخل الخارجى من ليبيا الأزمة ستحل، لأن الليبيين نسيج واحد وشعب واحد ويستطيعون.

فى مايو2019 استقبل السيسي المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في القاهرة  وأكد على دعم مصر لمكافحة الإرهاب والجماعات والميليشيات المتطرفة لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.

وكذلك دور المؤسسة العسكرية الليبية لاستعادة مقومات الشرعية، وتهيئة المناخ للتوصل إلى حلول سياسية وتنفيذ الاستحقاقات الدستورية على نحو يلبي تطلعات الشعب الليبي الشقيق نحو الحياة الآمنة الكريمة وبناء المستقبل الأفضل.

كما أكد السيسي على دور المؤسسة العسكرية في القضاء على أشكال الإرهاب والميليشيات والجماعات المتطرفة كافة.

وقد أشاد المشير خليفة حفتر بدور مصر في دعم الشعب الليبي على المستويات كافة، مؤكداً قوة العلاقات التاريخية التي تربط بين الدولتين والشعبين الشقيقين، ومشيداً بجهود مصر في مكافحة الإرهاب ودعم الحلول السلمية للأزمات العربية، وترسيخ مؤسسات الدولة الوطنية ودعم الاستقرار والأمن للشعوب العربية.

كما استعرض المشير حفتر الجهود الليبية للتصدي للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الليبي، والتي تهدف إلى تهريب السلاح والمقاتلين والإرهابيين الأجانب إلى داخل ليبيا.

وكان مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة قد حذر في 21 مايو من أن معركة الوصول إلى طرابلس تشكل “مجرد بداية حرب طويلة ودامية”، داعياً إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف تدفق الأسلحة الذي يؤجج القتال بالبلاد.

وشدد سلامة وقتذاك أمام مجلس الأمن الدولي على أن “ليبيا على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية يمكن أن تؤدي إلى الفوضى أو الانقسام الدائم للبلاد”.

وقال حفتر في المقابلة لصحيفة لوجورنال دو ديمانش: “تقسيم ليبيا، ربما هذا ما يريده خصومنا. ربما هذا ما يبتغيه غسان سلامة أيضاً”، وأضاف: “لكن طالما أنا على قيد الحياة، فلن يحدث هذا أبداً”.

لان حفتر قد شن هجومًا مفاجئًا مطلع شهر ابريل على العاصمة طرابلس ويبدو أن قواته ستستولي على المدينة في النهاية.

وفى يونيو2019 قال الدكتور زياد عقل، الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن مصر لا تتدخل في الشأن الليبي وإنما تسعى للوصول إلى حل بعيدا عن التدخلات الأجنبية.

وأضاف عقل ان الدور المصري لا يتراجع في المشهد الليبي، ومصر لديها إصرار على إرساء الاستقرار في ليبيا، وبالتالي هي تعقد الكثير من الاجتماعات بين ممثلي الأطراف المختلفة، وتعمل كمنصة للتوصل لحل.

وأكد الباحث أن تنظيم القاعدة الإرهابي ينافس داعش في السيطرة على الغرب الليبي.

سوف تعقد مصر اجتماعات لأعضاء مجلس النواب تبدأ يوم السبت المقبل في القاهرة برعاية مصرية.

وستشهد حضورا لأعضاء من مجلس النواب سواء الموجودين في طبرق أو في طرابلس لمحاولة تقريب وجهات النظر، فى إطار محاولات الجانب المصري لإعادة بناء مجلس النواب وتفعيل دوره في هذا الظرف الراهن بعد انشقاق بعض الأعضاء وعقدهم سلسلة لقاءات في طرابلس.

السيناريوهات المحتملة:

ربما حفتر لم يضع في تقديره الحجم الحقيقي لقوات مصراتة والمدربة قتالياً بدرجة عالية، وكذا العناصر الإرهابية في سبها. فاليوم، يبدو أن الأزمة الليبية أصبحت أكثر تعقيداً، رغم أن حفتر حقق مكسب وصوله لأطراف طرابلس وفرض نفسه بقوة في المشهد السياسي والعسكري الليبي يمكن ان يحدث احد السيناريوهين:

الأول: نجاح حفتر في التقدم بقواته داخل طرابلس والذي ينذر بتهديد مستقبل فايز السراج السياسي ارتباطاً بأن المجلس الرئاسي على وشك الإنهيار سياسياً خاصة أنه في تحالف مع ميليشيات متطرفة في طرابلس ومصراتة.

الثاني: توقف قوات حفتر عن الهجوم، مما قد يتيح الفرصة لقوات طرابلس ومصراتة لتلقي دعم من تركيا أو قطر أو دول أخرى داعمة لحكومة الوفاق الوطني، فلا شك أن الوقت ضد حفتر.

الأمر الذي قد يؤثر سلباً على موقف الجيش الوطني الليبي، وقد يؤخذ ليبيا إلى حرب أهلية قد يستحيل السيطرة عليها لفترات طويلة.

مستقبل الاسلاميين في ليبيا:

أن مستقبل التيارات الجهادية يختلف عن مستقبل الاسلاميين المؤمنين بالخيار الديمقراطي، فما هو مستقبل مختلف مكونات التيار الإسلامي في ليبيا في أفق نهاية 2019؟

ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن ليبيا قد تعرف الصعوبات والعراقيل ولكنها ستنجح في الأخير لأن عدم نجاحها يعني الانزلاق الى ما هو غير متوقع ليس في ليبيا فقط بل في كل دول الجوار، كما أن النجاح المرحلي والبدء في المرحلة الانتقالية الأخيرة لا يعني عدم تجدد الخلافات لاحقا وان كان بشكل جزئي ولكن المهم هو النجاح المرحلين لان الخلافات والصراعات بعدها ستكون بيد صاحب السلطة الاصلية وهو الشعب الليبي وهو شعب يدل تاريخه الطويل أنه شعب وطني وصبور وفريد من نوعه.

مستقبل التيارات الجهادية :

لا شك أنه لا مستقبل للتيارات الجهادية ذات المنزع الإرهابي في المنطقة المغاربية لأنه لا حاضنة شعبية لها والدليل هو نهاية التيارات الجهادية في تونس والجزائر والتي لم يبق منها سوى ما هو ضمن أجندات لقوى إقليمية وما توظفه المنظومات القديمة ومن سياقات عصابات التهريب والمخدرات والجريمة المنظمة وهي سياقات عابرة للبلدان ، ولا مستقبل للتيارات الإرهابية في ليبيا لأن داعش ليبيا من البداية كان تنظيما لقيطا لم يترأسه أي شخص ليبي.

مستقبل التيار المدخلي في ليبيا:

التيار المدخلي تيار سياسي يقوم أساسه المنهجي على رفض الطائفية والفرقه والتحزب وهي بالتحديد تصنف ضمن التيارات السلفية.

إن صعود ما يسمى بالمداخلة، لا سيما في المؤسسات الأمنية والدينية والادارية، كان أحد نتائج الصراع المتفاقم في ليبيا والتدخل الإقليمي ، وبالتالي فلابد من إعادة النظر وتقييم مسارات تواجد المداخلة وضرورة الانتباه لخطورة أولئك إداريا وامنيا وعسكريا ودينيا مع احتضان البعض بناء على قاعدة الولاء لليبيا أولا وأخيرا.

على عكس مدن الشرق الليبي وخصوصياته فان الحضور الكمي والسياسي للمداخلة سيكون ضعيفا في الغرب الليبي نظرا لسيطرة

فعلية للتيارات الليبرالية.

سيبقى حضور التيار المدخلي ضعيف كميا وسياسيا في الجنوب الليبي، لأن مُدنه وقُراه تغلب عليها عوامل القبيلة والغلبة والغنيمة، ولأنصار القذافي حُضور قوي كميا وشعبيا وقبليا، كما أن مستقبل التيار الإسلامي في الجنوب سيكون في المستقبل قويا وفاعلا لأسباب سوسيولوجية وإقليمية.

لن يتوقف خطر البعض من المنتسبين للتيار المدخلي المشحونين بالمقولات التكفيرية للمدخلي، عند بعض جرائمهم السابقة في ليبيا على غرار جريمة اغتيال الشيخ نادر العمراني، ولن تتوقف تلك الجرائم في ليبيا وفي الإقليم، إلا إذا تداعى علماء الأمة وقادتها ومُفكروها للتحذير منهم ومن ضلالاتهم.

مستقبل التنظيمات والأحزاب الإسلامية المؤمنة بالخيار الديمقراطي:

أن مستقبلهم ستحدده محددات ليبية ومغاربية عديدة وهو ما ينسحب على كل اسلامي ليبيا من المؤمنين بالخيار الديمقراطي.

مستقبل داعش في ليبيا:

مع المواجهات العسكرية المكافحة للتنظيم في ليبيا ، يثار التساؤل حول إمكان إنهاء وجود داعش في البلاد أو استمرار نشاطه، وفي هذا الصدد يمكن التنبؤ بثلاث سيناريوهات رئيسية لمستقبل داعش في ليبيا وفق ما يأتي:

الأول: في الأشهر الأخيرة تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من شن عمليات نوعية عدة كان أبرزها الهجوم الذي شنه على المؤسسة الوطنية للنفط في مدينة طرابلس ، وكان قد سبقه بشهرين هجوم آخر استخدم فيه التنظيم القذائف على مقر اللجنة العليا للانتخابات الليبية في طرابلس وأودى بحياة 16 شخصاً على الأقل.

 شنه عمليات وممارسات إرهابية عدة متفرقة في أنحاء البلاد، وكان عدد من الأوساط السياسية والعسكرية قد حذر من إمكان عودة التنظيم بقوة إلى ليبيا، وكان أبرزها تحذيرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مطلع 2018 التي نبه فيها إلى احتمال عودة تنظيم داعش والإرهاب مجدداً إلى ليبيا.

من ثم فإن عودة التنظيم بقوة يعد أمراً محتملاً إلى حد ما، وهو مرهون بشكل أساسي ببقاء حالة الفوضى سائدة في البلاد أي إذا بقيت الفرق الليبية بعيدة عن التنسيق لملاحقة فلول تنظيم داعش فإن العمليات السابقة واللاحقة المستهدفة له، لن تحقق أهدافها بشكل كامل وسيدفع ذلك القائمين عليها لإطالة المدة الزمنية لإنهاء تنظيم داعش في البلاد وهذا قد يشكل ثغرة تمكن التنظيم من إعادة نفسه على الأقل بمسميات أخرى.

الثاني: هو التمكن من إنهاء نشاط تنظيم الدولة الإسلامية، وتكثيف عمليات الرصد والمتابعة في مختلف المدن والمناطق في ليبيا، وتوحيد الجهد العسكري لمواجهة التنظيمات الإرهابية بالقرب من الحدود الجزائرية والتونسية والسودانية التي تمثل أوكاراً كبيرة للخلايا الجهادية. وهذا مرتبط بحدوث اختراق في مستوى المشهد السياسي والعسكري في ليبيا عبر جهد الوساطات الدولية، لجمع الفرقاء الليبيين على حل سياسي شامل، يفضي إلى إحداث تنسيق عال بين المؤسسات العسكرية التابعة لحكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر وتوجيه الجهد نحو تشكيل فرق وشبكة أمنية واسعة في مستوى البلاد لملاحقة فلول داعش.

لذلك فإن أي فرصة ممكنة للتفاهم والتنسيق بين الأطراف المكافحة لداعش ستزيد من إمكان ضبط العمليات الإرهابية وملاحقة العناصر المتورطة، كان هذا التنسيق واضح جداً في عملية سرت التي جرت بالتنسيق بين قوات حفتر وحكومة الوفاق وأدت إلى خسارة تنظيم داعش لأهم منطقة كان يسيطر عليها في ليبيا وأدت إلى إضعافه.

لكن يبدو أن هذا السيناريو ليس من المرجح حدوثه في المدى المنظور بسبب تنامي الخلافات وتعقيدات المشهد بين الفرقاء الليبيين في الوقت الحالي.

الثالث: اضعاف وتعويق نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا

جزئياً، وعدم التمكن من تحقيق تقدم كبير لمنع احتمال زيادة فاعلية نشاطه في البلاد، وهذا السيناريو هو الذي يحدث حالياً، إذ إن حكومة الوفاق الوطني تقوم بشن عمليات أمنية وعسكرية تستهدف التنظيم لكنها لا تستطيع تثبيط اى اضعاف نشاطه إلى حد كبير وقد استطاع التنظيم استهداف مقر حكومة الوفاق في طرابلس أكثر من مرة ،كما أٌشير في الاحتمال الأول فيما تقوم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر هي الأخرى بعملياتها الخاصة لملاحقة داعش، من ثم فإنه من المرجح إذا استمرت استراتيجية الأطراف السابقة في مكافحة داعش على ما هي عليه، أن تطيل أمد احتمال إنهائه في المدى القريب وقد تصل إلى المتوسط أي إلى 5 سنوات على الأقل.

تحرير

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات