الفصل الأول القانون الطبيعي بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية الحديثة .

إن أغلب مدارس القانون الوضعي الحديث تعتمد على مصادر رئيسية مشتركة مثل القانون الطبيعي والعرف والعادة بالإضافة إلى التشريعات التي تصدرها المحاكم العليا  ولكن يمثل القانون الطبيعي النواة التي ارتكز عليها القانون في تشكيله ، وقد عُرف القانون الطبيعي بأنه

  مجموعة قواعد سلوكية كامنة في الطبيعية وثابتة لا تتغير بمرور الزمن ولا تختلف من مكان إلى آخر وهو قانون مثالي يكشف عنه العقل البشري ولا يجده . (1)

ويرى أرسطو : أن العدل هو القانون الطبيعي الذي يجب أن توضع على أساسه القوانين الصادرة عن إرادة المشرع .

كما يعتقد توما الاكويني : أن القانون الطبيعي هو انعكاس لحكمة الله مثلما هو الحكم أو القاعدة التي تعلم الصواب لأنه يفيض بالضرورة من ذات الله المقدسة ويحدد طبيعة الأشياء كما هي قائمة في ذات الله . (2)

أما عن القانون الطبيعي في الشريعة الإسلامية فقد يرى غالبية أئمة الإسلام أن القانون الطبيعي يطابق الشريعة الإلهية حسب الفطرة والعقل الذي جعله الله حجة .

ولذا قال علماء الإسلام : كل ما حكم به العقل حكم به الشرع وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل .

فإن القانون الطبيعي الذي جاء ذكره واتضحت معانيه في كل المواضع السابقة يشبهه قول المعتزلة الذين قالوا : بالحسن والقبح الذاتيين فما حسنه العقل فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وإن لم يرد شرع . (3)

ولا يخرج القانون الطبيعي في الشريعة الإسلامية عن ما جاء بالقرآن الكريم : ( إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنكَرِ وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) . ( النحل/90 )

( إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تؤدوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمِ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ، إِن اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ، إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) .

( النساء/58 ) ، ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آباءنَا وَالله أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللهَ لاَ يَأمُرُ بِالْفَحْشاءِ ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُون .

قُلْ أَمَرَ رِبّي بِالْقِسْطِ وَأَقيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الّدِينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) . ( الأعراف/ 28 ) ـ

وهنا يمكن أن نرى التشابه الإجمالي في الاستناد إلى القانون الطبيعي بين القانون الوضعي وأحكام الشريعة الإسلامية بمجرد النظر السطحي للأمر أما إذا ما دققنا النظر نجد أن القوانين الوضعية الحديثة باعتبارها الأحدث فهي تتخذ من الشريعة الإسلامية قبلة لها في هذا الأمر ، إلا أن تلك القبلة غير مستقرة لما قد يشوب القوانين الوضعية من انحراف عن مبادئ عامة بغرض تحقيق أغراض أخرى تختلف وتلك المبادئ الأصولية لأحكام الشريعة الإسلامية، ونرى أن مبادئ الأصل (الشريعة الإسلامية) تتسامى عن القانون الوضعي الحديث ، في أنه عند أهله لا يعدو كونه مجرد فكرة فلسفية مثالية تبرر التشريع والوضع باعتبار أن العدل هو دعامة القانون الأساسية, والعدل عندهم هو ما صاغته نظريات فلاسفة القانون الوضعي الحديث بعد التأثر والاستفادة من الكُتب والمراجع العظام التي سُلبت من المسلمين أبان الحملات الاستعمارية التي شنها الغرب على معالم العالم الإسلامي قبل أن يثوروا على أنفسهم بما تعلموه من مراجع أئمة الإسلام التي سُلبت من العالم الإسلامي خلال فترات الاحتلال أخذاً في التطور حتى انتهى إلى قيام ثورة علمانية في العصر الحديث ضد بذور القانون الطبيعي كانت على مستوى التجاهل العملي ,ووصلت في بعض الأحيان إلى التجاهل النظري لتلك المبادئ التشريعية التي لازمتهم في غضون مرحلة التأسيس .

على سبيل المثال : ( فان ادوارد كوك قاضي القضاة البريطاني قد صرح بأن للقانون البريطاني حدوداً مشتركة مع القانون الطبيعي وبالتالي فالقانون العام قادر على أن يقر بأن قانوناً برلمانياً باطل لأنه يخالف العقل، ولكن هذا الموقف لم يكن مذهباً و متبعاً من قبل سواء في بريطانيا أو في غيرها ) . (7)

وقد رأينا كيف أن البرلمان البريطاني قام أخيرًا بتشريع زواج الرجل مع الرجل مع أنه يخالف العقل والفطرة . والعقبة التي تجعل من القانون الطبيعي مجرد هامش أخلاقي في التشريع الوضعي هو أن طبيعة القانون الموضوع بيد نخبة معينة من البشر تستند بشكل أساسي على توجهاتها والمصالح التي تمثلها . وهو السبب في الانحراف الواضح بين أحكام الشريعة الإسلامية التي هي زاد القوانين وبين القوانين الوضعية الحديثة ، وهو ما يعبر عن كمال الشريعة الإسلامية لأن القانون الطبيعي لا يتكامل إلا مع القانون الإلهي الذي يجسد قيم العقل بشكل موضوعي بعيد عن الاتجاهات الذاتية والنفعية . ومن هنا نجد أن أصل القوانين الوضعية الحديثة قبل التحريف عليها هي أحكام الشريعة الإسلامية التي تتسم بالتجرد والثبات وتتسامى عن الجدل . 

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات