وئام سامي تكتب عفوا … لقد نفد رصيدكم !

أمواج و عواصف , بحار و مسافات من المشاكل و الاضطرابات النفسية و التى  تعاني منها البشرية  تؤثر سلبا علي صحتنا , وتلعب دورا شرسا علي إنسانيتنا .

فى يوم من الايام أراد خياط أن يعلم حفيده حكمة عظيمة ,فأمسك بمقص ثمين , و بدأ يقص قطعة قماش كبيرة إلي قطع صغيرة , و بعد الانتهاء من قص القماش رمي المقص الثمين علي الارض , و أخذ إبرة صغيرة و قام بحياكة القطع الصغيرة ليصنع منها ثوبا جديدا و جميلا , و ما أن انتهى من الحياكة , غرس الابرة في عمامته , و حفيدة ينظر اليه بتعجب , فسأله : لماذا رميت المقص الثمين جانبا علي الارض ؟ و إحتفظت بالابرة الرخيصة الثمن في عمامة رأسك ؟

فأجابه الجد : إن المقص هو من فرق قطعة القماش الكبيرة . بينما الابرة هى التى لمت شمل القطع لتخلق منها ثوبا أنيقا يستر البشرية . يا بني كن من الذين يجمعون الشمل , و لا تكن من الذين يفرقون الناس أشتاتا , فإذا جاءك المهموم اسمع و احتوى , و إذا استسمحك المعتذر اصفح و احتسب ,و إذا ناداك صاحبك لحاجة انفع و كن له السند , وان حصدت شوكا , فيكفيك انك للورد تزرع …

هنا يكمن السؤال !

ينظر الكثيرون الى العلاقات الانسانية علي انها احساس عام يعتمد علي الذوق و المجاملة , فلماذا اذن تنتاب العلاقات الانسانية حالة من  عدم الاتزان , و لماذا الصعوبة في تطبيقها ؟

الاجابة بإختصار هي ان العلاقات الانسانية ليست بالبساطة التي نتخيلها , فهى فلسفة حياة و سفينة نجاه تستلزممعرفة التجديف في بحر المعارف الفنية عن الطبيعة البشرية و تنمية المهارات الاجتماعية .

العلاقات الانسانية هي هدف و حوافز مشتركة , و هى ذلك الميدان الذى يمارس فيه فن الادارة من اجل اشباع الاحتياجات .

للاسف الشديد , يخلط البعض بين مفهوم العلاقات الانسانية كصفة انسانية و كأنها صفة شخصية تقوم علي الصداقه و سابق المعرفه و المحسوبية , لكن فى واقع الامر الفرق بيّن , فالعلاقة الانسانية تقترن بالموضوعية , بينما العلاقة الشخصية تمتزج بالتحيز و التعصب !

و ثمة خلط فى الاوراق ايضا الا وهى غض البصر عن أخطاء الغير الذى قد يؤدى الي تدهور العلاقات فيما بعد . إن مثل هذا التفكير مناف لما نادت به العلاقات الانسانية التى تدعوا الي الاستقرار و الكفاءة و العدل و الانتاجية .

كثير من العلاقات الشخصية تصبح ساحة للصراعات و عدم الراحة , فالقصة لم تكن قصة رومانه و انما هي قصة قلوب مليانه !

فالعلاقات البشرية إما جوا من التنافس و المشكلات , و احيانا اخري تكن جوا من الرضا و القناعه و الهدؤ . لذلك يجب علينا التعمق فى النفس البشرية و نعي تماما بأن كل فرد يختلف عن الاخر في اشباع الاحتياجات وفقا للظروف و الرغبات .

إذن هناك بعض المسلمات التي يجب أن نؤمن بها اولها الايمان بقيمة الفرد و احترام شخصه الكريم , فللاسف الشديد الاخلاق الفردية و المجتمعية في حالة حرجة تحتاج لتدخل العناية المركزة كى تداوى هذا الهبوط الحاد في الاخلاق الذى ادى لانهيار منظومة القيم . فلم يعد الاحترام لصلة القرابة و الخصوصية قائما , و لم تقدس العلاقات الزوجية ( الميثاق الغليظ ) , بل ولم تنعم العلاقات الانسانية بشكل عام  بالاتزان النفسي و الفكرى و السلوكى !

و طبعا بيت القصيد هنا هو العنصر الثالث الذى يسمى غياب ثقافة الاختلاف في الرأى .

و هناك العديد من القواعد عن فن قبول الاختلاف , إن تم تطبيقها تجنبت الصدام , و احترمت نفسك و اكتسبتها , و هذه القواعد :

  • كل واحد له شخصيته و فكره المستقل و الحر .
  • ليس شرطا ان تقتنع بما اقتنع به .
  • انظر بعين الاخرين للموقف بجانب رؤيتك حتي تكتمل امامك الصورة .
  • ان الاختلاف فطرة طبيعية خلقنا عليها في الحياة حتى يصبح للحياة صور و معانى و اشكال لانملها بل تضيف لانسانيتنا الحرة لوحة من جمال الالوان و الاحاسيس . فالانسان يتفاعل مع الاختلاف .
  • معرفة الناس للتعايش معهم لا لتغييرهم .
  • ما تصلح له انت قد لا اصلح له أنا .
  • ما يزعجك ممكن الا يزعجنى .
  • للحوار آداب هدفها الاقناع و ليس للإلزام .
  • لا تقف عند الالفاظ , بل ادخل فى أعماق المقصد من الكلام , فلا تتصيد عثراتي , و لا تحكم علي سلوكى العابر تحت ضغط عالي .
  • لا تمارس دور الاستاذ و الخبير .
  • أقبلنى كما أنا , حتي أقبلك كما أنت .
  • عاملنى بما تحب أن أعاملك به .
  • الحياةقائمةعليالثنائية .. أنتجزء من منظومتها .
  • شريك الحياة هو وجه مقابل و ليس مطابق .
  • الناس في إحتياج الي التقدير و الشكر , فلا تقلل او تحقر من شأن الغير .
  • أبحث عن صوابي , فالخطأ مني طبيعي . أنظر لايجابياتى .
  • لا يخلو إنسان من حاجه او ضعف .. و لولا حاجتى و ضعفي لما نجحت أنت .
  • كن لي حمي أكن لك سند .
  • كما لك حق فلغيرك حق .
  • تقبل إختلاف غيرك و طور من نفسك .

وقف عمر رضي الله عنه مرة ليخطب في الناس , و نصحهم ألا يغالوا فى مهور النساء , و بين أن الرسول عليه الصلاة و السلام ما أعطى أحدا من نسائه و لا أخذ لبناته إلا شيئا قليلا , فقامت اليه إحدى النساء , و قالت في شجاعة : يا عمر يعطينا الله و تحرمنا , اليس الله سبحانه و تعالى يقول ( و اتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) و القنطار هو المال الكثير . فأدرك عمر صواب قول المرأة و حسن استشهادها بالاية الكريمة , فرجع عن رأية و قال : أصابت إمرأة و أخطأ عمر و قال  مقولته الشهيرة : كل الناس أفقه منك يا عمر .

هنا نتوقف و نتعلم الدرس بأن الاعتراف بالحق فضيلة .

فأغلب الظن أننا نستمع إلى الأخرين لنرد عليهم لا لكى نفهم منهم .

خلاصة القول يقول الله تعالى فى سورة آل عمران : (( فبما رحمة من الله لنت لهم , و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك , فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم فى الامر , فاذا عزمت فتوكل علي الله , ان الله يحب المتوكلين  ( 159)   ))

    صدق الله العظيم

و خلاصة القول أيضا في الانجيل (( فان كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب تحب قريبك كنفسك فحسنا تفعلون )) ( يع 2: 8)

(( فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم أيضا بهم لان هذا هو الناموس و الانبياء )) ( مت 7 : 12 )

و الناموس هو الشريعة التى وضعها سيدنا موسي عليه السلام بوحي من الله فى الحقوق المدنية .

 

  • ولله در الشاعر إذ يقول :

حافظ علي الخلق الجميل و مربه

                                            ما بالجميل و بالقبيح خفاء

 

  • و يقول الشاعر :

و المرء بالاخلاق يسمو ذكره            و بها يفضل في الورى و يوقر

أوغل بدنياك لا تنس الضمير           ففي طياته السر عند الله ينحصر .

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات