الإمام الأكبر أحمد الطيب يعلن الحاجة الماسة إلى تجديد الخطاب الديني

الإمام أحمد الطيب
أعلن فضيلةُ الإمام الأكبر شيخ الأزهر، د. أحمد الطيب، مؤكدًا حاجتنا الماسّة إلى “تجديد الخطاب الديني”؛ الذي نادى به الرئيسُ السيسي منذ توليه حكم مصر قبل سبع سنوات، والذي أعلنه وليُّ العهد السعودي الأميرُ/ محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي حين صرّح بعدم تقديس الفقهاء مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عرّاب “الوهابية”، وعدم الأخذ بأية فتاوى تُجافي العلم ولا تواكب اللحظة الراهنه. خلال الحلقة الحلقة ٢١ من برنامجه الرمضاني “الإمام الطيب”، انتقد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، صمتَ الساحة الإسلامية عن تَفشِّي ظاهِرةِ “التعصُّب الدِّيني” سواءً في التعليم أو في الدعوةِ والإرشاد، وانتقد في المقابل كتائبَ التغريب والحداثة، التي تسخرُ من تراثنا الإسلامي في مجمله، لأن هذا وذاك يضعان الشبابَ المسلم في صراع: إمّا الانغلاق والتعصُّب والكراهية والعُنف ورفض الآخر، وإمّا الفراغ والتِّيه والانتحار الحضاري.
واعترف فضيلتُه بإخفاق “تيار الانغلاق” في الرهان على قُدرة المسلمين على الحياةِ وقد أوصدُوا أبوابَهم في وجه حضارة الغرب وتدفق ثقافتِه، بل خلَّفَ وَراءَه شبابًا أعزَلَ لا يستطيعُ مواجهةَ الوافدِ المُكتسِح؛ وكذلك إخفاق تيار المُتغرِّبين والحداثيين الذي أدار ظهرَه للتراث؛ فازداد المشهدُ اضطرابًا على اضطراب. ثم أعلن فضيلتُه أنَّ التيارَ “الأوحد” الجديرَ بمُهمة التجديد هو “الإصلاحيّ الوسطيّ”، الذي لا يُشوِّه الدِّينَ ولا يُلغيه، وإنَّما يستضيءُ بهديه، ويتركُ ما لا يُناسبُ من أحكامه الفقهيَّة إلى فتراتها التاريخيَّة التي قِيلَت فيها، وكانت تمثِّلُ آنئـذٍ تجـديدًا استدعاهُ تغيُّر الظُّروف والأحوال. شكرًا فضيلة الإمام الأكبر؛ فهذا عينُ ما جفّت حلوقُنا بالمناداة به منذ دهور، وهو عينُ ما طالب به الرئيسُ عبد الفتاح السيسي من أجل النجاة من جحيم الإرهاب والتطرف الذي ينحرُ في جسد مصر والعالم.
وهو كذلك ما تفعله المملكة العربية السعودية في عهدها الراهن منذ بدأت تنفضُ عنها ثوبَ الرجعية لتلحق بركب الحضارة والتنوير، كما تأكد فيما نراه من مظاهر المدنية التي دثّرتِ المملكةَ منذ سنوات قليلة، وما أكده ولي العهد في حواره على “قناة السعودية” الأسبوع الماضي. وكنتُ أتمنى أن تنطلقَ شرارةُ التنوير ومكافحة الوهابية النقلية من مصر، قبل انطلاقها من السعودية التي صدّرتِ الوهابيةَ لمصر مع نهاية السبعينيات. وعلّ هذا ما حدث بالفعل؛ إذ يُحسب لمصرَ أن رئيسها قد أقرنَ القولَ بالعمل في شأن “مدنية مصر” وعدالتها الاجتماعية وسماحتها الدينية منذ توليه الحكم عام ٢٠١٤، بعدما أنقذ مصرَ من براثن جماعة الإخوان التي كانت تُجهِّزُ مصرَ للتكفين في نعش داعش الأسود. “مصرُ تحاربُ الإرهاب نيابةً عن العالم”، هذه العبارة “المخيفة” قالها الرئيسُ عبد الفتاح السيسي صادقًا، قاصدًا بها المواجهة الاستخباراتية والعسكرية في منطقة شمال سيناء وغيرها من جنبات مصر، لكنه إضافةً إلى المواجهة الأمنية، ظل يطالبُ الأزهرَ الشريف بضرورة “تجديد”، بل “إصلاح وتصويب” الخطاب الديني، لأن الخطاب الراهن برجعيته يُعدُّ “المفرخةَ”التي تُفرخ لنا عشرات الإرهابيين الجدد على مدار اليوم والساعة. ولذلك فمواجهةُ الإرهاب الحقيقية لا يمكن أن تُنجز “أمنيًّا”، ما لم تواكبُها مواجهةٌ “فكرية” لتصويب الفكر المتطرف وإعادته إلى جادّة الاعتدال والإنسانية والتحضر والرحمة والسماحة، كما تنادي جميعُ الأديان. قال شيخُ الأزهر: “إن الدعوة لتقديس التراث الفقهي تُؤدِّى إلى جُمود الفقه الإسلامي المعاصر، كما حدث بالفعلِ فى عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك البعضِ بالتقيُّدِ الحرفيّ بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكام فقهيَّة قديمة، كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها فى عصرها الذى قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد فى حلّ مشكلاتِ اليوم.” هرِمنا انتظارًا لهذه المقولة التاريخية من صرح الأزهر الشريف الراهن؛ وهو عينُ ما نادى به المفكرُ وأستاذُ فلسفة الأديان د. “محمد عثمان الخشت” رئيس جامعة القاهرة في مناظرته الشهيرة مع شيخ الأزهر، حتى يعودَ الأزهرُ الشريفُ منارةً للتنوير والوسطية والاعتدال، كما كان في عصور سابقة منيرة. تغليبُ “العقل” على “النقل” هو عينُ ما نرجوه من رجال الدين الإسلامي، كما تعلّمنا من “الوليد ابن رشد” الذي أضاء العالمَ بشروحاته وتنويره في القرن ١٢ ميلادي. “الدينُ لله، والوطن لمن يُنيرُ دروبَ الوطن.” *

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات