مدينة أورشليم منذ عهد داود النبي وحتى دخول السيد المسيح لها في أحد الشعانين!!

د.ماجد عزت إسرائيل

أورشليم القدس مدينة من بين الآلف المدن الموجودة على سطح الكرة الأرضية، عاشت على مدى الآلف السنين تظللها روح الوداعة والمحبة وتفتح ذراعيــها دائمًا لتستقبل بالحب كل قادم إليها، أيا كان وطنه أو دينه أو لونه.

وتفخر مدينة القدس عبر تاريخها بوضع متميز بين جميع أنحاء العالم قديمه وحديثه،بالرغم من أنه ليس لها كثير من الخواص الطبيعية التي تخالف المدن الكبرى، وبالرغم من ذلك فقد حظيت باهتمام بالغ من الجغرافيين والمــــــؤرخين والشعراء.

وقد اختلف المؤرخون حول اسم مدينة القدس، حيث اتخذت عدة أسماء- فقد سميت (يبوس) واليبوسيون هم بناة القدس الأولون.

    وقد يرد اسمها(أورشليم) وتعني بالعبرية (أساس السلام)،أو(ملك السلام)، وقيل إن إبراهيم الخليل سماها (مدينة السلام)، حيث أن كلمة (أور) بالكلدانية تعني “مدينة” وهي التي هاجر منها إبراهيم عليه السلام نحو سنة1921 ق. م.

وفي ألواح تل العمارنة الفخارية التي عثر عليها في سنة 1887م بمصر، ورد اسمها أوروساليمو( urrsalmu)، وقد كانوا يبغضون أمير هذه المدينة ويكيلون له اللعنات.

وقد يرد اسمها محذوفًا منه المقطع الأول- وهو (أور) بمعنى مدينة، فيقال إنها مدينة (شاليم)- أو (ساليم)، ومن ملوكها (ملكيصادق)، وهو أول من اختطها وبناها، كما أطلق عليها أورشليم و(أريئيل)، وأريئيل معناها (موقد الله)، ومن ثم سميت أورشليم (مدينة الله)، مدينة الرب، هاعير في العبرية أي “المدينة” كما سميت “مدينة القدس” ثم “المدينة المقدسة”، وكذلك سميت (مدينة العدل) ، ثم مدينة الحق. أما في اللغة العربية، فقد أطلق عليها “إيليا”وهو الاسم الذي عرفت به منذ عهد “هادريان”، وبيت المقدس،والمقدس و”القدس الشريف” والاسم الغالب عليها حاليًا هو مدينة “القدس”.

وقد جاء داود النبى (1049ق.م) وأسس “مدينة القدس وأطلق عليها “مدينة داود” وجعلهل عاصمة للبلاد في عام(1000 ق. م) بعد انتزاعها من اليبوسين،وشيد ابنه المللك سليمان الهيكل وبعد وفاته انقسمت مملكته على نفسها إلى قسمين:

مملكة إسرائيل وتقع شمالاً واتخذت ا السامرة عاصمة لها،ومملكة يهوذا تقع جنوبا واتخذت القدس عاصمة لها،دامت مملكة إسرائيل من عام(930-721 ق.م)  حين سقطت عاصمتها بأيدى أعدائها فدمرت ونفي أهلها،بينما بقيت مملكة يهوذا حتى دمرت عاصمتها القدسوأسق أسوارها وهدم الهيكل على يد نبوخذ نصر ملك بابل سنة 586 ق.م وسبى أهلها إلى بابل عام( 587 ق. م) وبعد تدمير المدينة اتجهت نية ذوي العزام منهم إلى إعادة بنائها،وربما احتفظوا ببعض المظاهر الخارجية لعبادة الرب في موقع الهيكل.

 وعندما تبوأ كورش عرش الفرس( 538 ق.م) أصبح سيدا على الأمبراطورية البابلية،أصدر أوامره بإعادة معابد الألهة الأشورية والبابابلية، وأذن لليهود بالعودة إلى بلادهم وبناء معبدهم،وقد عاد أكثر من أربعين ألفا بقيادة شبيشصر رئيس يهوذا حاملين آنية بــــــيت الرب المقدسة. 

واستونفت مراسم الصوم والصلاة والاحتفال بالأعيادوتأخر استكمال البناء عشرين عاماً لمعارضة السامريين لهم،أآ نحو عام(516 ق. م) وكرس “نحميا” نفسه 52 يوما لإعادة بناء أسوار المدينة. وعندما اجتاح الإسكندر الأكبر سنة 322 ق.م شرقى البحر المتوسط بما فيه فلسطين واستولى عليها،خرج اليهود لاستقباله خارج المدينة يتقدمهم الكهنة لابسين حللا بيضاء وراحوا يطلبوا العفو منه فلم يبطش بهم وأقر عاداتهم وتقاليدهم ورفع عنهم دفع الجزية وسمح لهم بسك النقود.

   وبعد وفاة الإسكندر عام (323 ق.م) اقتسم قواده الملك: فأخذ (سلوقس) سورية، وأسس فيها دولة السلوقيين، وأخذ بطليموس مصر، وأسس فيها دولة البطالمة، وكانت القدس من نصيبه.

وعانت المدينة نظراً لموقعها ما بين الملكين صراعات عديدة، انتهت بتقسيم الجزية بينهما، حتى سنحت الفرصة لروما سنة 63 ق.م بالتدخل فاستولت عليها بقيادة “بومبي” وقد عين يوليوس قيصر سنة (47 ق.م) “أنتيباترا” والياً على فلسطين، وجعل أنتيباترا أكبر أبنائه “فاسيليوس” حاكماً على “القدس” وعهد إلى أصغر أبنائه “هيرودس” بحكم الجليل.

وتعاقب الحكام على المدينة إلى أن جاء هيرودس عام (37 ق. م) وتمكن من إقناع روما بإخلاصه وولائه فنصبوه ملكا على اليهود حتى سنة (4 ق. م)، وكان رجلا قاسيا عنيفا، يفعل أي شيء في سبيل الوصول لغاياته، لدرجة أنه قتل زوجته وثلاثة من أبنائه.

واستطاع هيرودس إعادة بناء الهيكل وشيد في أورشيليم قصورا ضخمة، وأقام أربعة أبراج في أركانها الأربعة، وأطلق عليها اسم “أنطونيا” تخليدا لولي نعمته أنطونيوس قيصر، وفي أواخر أيامه ولد السيد المسيح في بيت لحم.

وبعد وفاته تولى هيرودس أرخيلاوس والياً على اليهودية من سنة (4 ق. م حتى 6م)، وبعدها تعاقب على حكم البلاد وكلاء رومان، وكان من بينهم بيلاطس البنطى (26 – 36م) الذي حكم على السيد المسيح بالصلب في يوم الجمعة30م.و كان على عرش روما يومئذ الملك طيباريوس قلوديوس.

وظلت العلاقات بين الرومان واليهود متوترة طوال العهد الروماني، وتعرض اليهود للعديد من الاضطهادات.

السيد المسيح في أورشليم (أحد الشعانين)

  وفي ذكرى أسبوع الآلام نشتاق إلى أن نتعرف على البيئة التي كان يعيش فيها السيد المسيح، وذلك المجتمع الذي عاصره والحياة اليومية، والبلدان والأحداث والعادات والتقاليد والطبائع والعبادات والأصوام والاحتفالات والأعياد والطقوس.

ولكن علينا أن نركز على مشهد مهم وهو طبيعة الحياة  في مدينة أورشليم وقت دخول السيد المسيح؛ كانت أورشليم تكتظ بالملايين في ذلك الوقت، جاءوا يشترون خرافًا يحتفظون بها لتقديمها فِصحًا عنهم، وعلى الرغم من ذلك بعضهم ترك عملية الشراء والبيع“وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!»”(مت21: 9).

وانفتحت ألسنة الأطفال والرُضَّع بالتسبيح وغضب رؤساء الكهنة والكتبة.“فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ الْعَجَائِبَ الَّتِي صَنَعَ، وَالأَوْلاَدَ يَصْرَخُونَ فِي الْهَيْكَلِ وَيَقُولُونَ:«أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ!»، غَضِبُوا” (مت21: 15). كما ضم هذا المشهد المهيب وجود رجال العهد القديم الذين رأوه بعينيّ الإيمان خلال النبوّة، وتبعته جماعة خلفه تسبِّحه كممثّلة لرجال العهد الجديد الذين تمتّعوا بما اشتهاه الأنبياء.لقد أدرك رؤساء الكهنة والفرّيسيّون كلمات الرب بعقولهم لكنهم لم يقبلوها بروح الحب والبنيان،ولم يفكروا في أن يقدّموا توبة عما ارتكبوه لكنهم فكروا في الانتقام منه.

  السيد المسيح دخل أورشليم يوم أحد الشعانين- كل قراءات باكر يوم الإثنين من البصخة المقدسة-   ليطهر الهيكل. وهذا رمز لتطهير قلوب البشر لأن الله خلق كل شيء حسن وطاهر.حيث أحطت به سياجًا وحفرت ونقبت حجارته وغرست كرمًا.. وإنتظرت أن يخرج عنبًا فأخرج شوكًا؛ إذًا هذا خطأ الإنسان ثم يتكلم عن ظلم واغتصاب رجال يهوذا للأبرياء.

وجاء المسيح ليطهر، ورمزًا لهذا تطهير الهيكل. لكن لاحظ قوله أن الكرم عندما لم يعط عنبًا فذكر عنه قائلاً” أقلع سياجه فيصير للنهب” وهذا ما حدث لآدم وللخليقة “إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ- لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا – عَلَى الرَّجَاءِ.” (رو 8: 20).

فآدم سقط في الجنة وإسرائيل أسلمت للرومان فخربوها بسبب خطاياها.

وكان الرجاء هو المسيح الذي يأتي ليخلق خليقة جديدة طاهرة.

  وللأسف اليهود في ذات اللحظة كانوا لَا يُرِيدُونَ ألا الخراب ونسوا “رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللهِ. إِنَّهَا تَوَلَّدَتْ فِي الرَّحِمِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَتْ عُشَّهَا بَيْنَ النَّاسِ مَدَى الدَّهْرِ، وَسَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا إِلَى ذُرِّيَّتِهِمْ.” (سي 1: 16).

وأيضًا الله وهو مصدر كل حكمة التي يعطيها لمحبيه. أي الذين يطيعون وصاياه ويخافونه وهؤلاء يفرحون. كما إن موضوع شجرة التين ليس صدفة. فالله يريد تطهير قلب الإنسان.

فهكذا خلقه طاهرًا، والحكمة أن نخاف الله ويكون لنا ثمر وإلاّ سنلعن كشجرة التين ونيبس. فإرمياء ينوح على مصير الأشرار رافضي التوبة.

حيث ذكر قائلاً: ” مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَفْهَمُ هذِهِ، وَالَّذِي كَلَّمَهُ فَمُ الرَّبِّ، فَيُخْبِرَ بِهَا؟ لِمَاذَا بَادَتِ الأَرْضُ وَاحْتَرَقَتْ كَبَرِّيَّةٍ بِلاَ عَابِرٍ؟.

فَقَالَ الرَّبُّ: «عَلَى تَرْكِهِمْ شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهَا. بَلْ سَلَكُوا وَرَاءَ عِنَادِ قُلُوبِهِمْ وَوَرَاءَ الْبَعْلِيمِ الَّتِي عَلَّمَهُمْ إِيَّاهَا آبَاؤُهُمْ.

لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا أُطْعِمُ هذَا الشَّعْبَ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ الْعَلْقَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي أُمَمٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلاَ آبَاؤُهُمْ، وَأُطْلِقُ وَرَاءَهُمُ السَّيْفَ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ.

هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: تَأَمَّلُوا وَادْعُوا النَّادِبَاتِ فَيَأْتِينَ، وَأَرْسِلُوا إِلَى الْحَكِيمَاتِ فَيُقْبِلْنَ. وَيُسْرِعْنَ وَيَرْفَعْنَ عَلَيْنَا مَرْثَاةً، فَتَذْرِفَ أَعْيُنُنَا دُمُوعًا وَتَفِيضَ أَجْفَانُنَا مَاءً. لأَنَّ صَوْتَ رِثَايَةٍ سُمِعَ مِنْ صِهْيَوْنَ: كَيْفَ أُهْلِكْنَا؟ خَزِينَا جِدًّا لأَنَّنَا تَرَكْنَا الأَرْضَ، لأَنَّهُمْ هَدَمُوا مَسَاكِنَنَا” (إر12:9-19).

حتى اليهود لم يسمعوا لموسى الذي نزل من الجبل (السماء) وبشفاعته أنقذ الشعب الذي تنجس بعبادة العجل من غضب الله. وأتى لهم بالوصايا حتى أن من يسمع لها يحيا.

فهو رمز للسيد المسيح الذي أتى ليطهر الهيكل وينقذ البشرية من غضب الله ومن يسمع للمسيح يحيا. وأكد سليمان الحكيم (1:1-9) على إن المسيح طهر هيكلنا ولكن حتى نستمر طاهرين علينا أن نخاف الله ونستمع لوصاياه ولا نكفر به “فَإِنَّمَا يَجِدُهُ الَّذِينَ لاَ يُجَرِّبُونَهُ، وَيَتَجَلَّى لِلَّذِينَ لاَ يَكْفُرُونَ بِهِ.” (حك 1: 2).

على أية، بعد أن قام يسوع بتطهير الهيكل من الباعة وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى.وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»” (مت21: 13).

حيث تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ.” (مت21: 17). وبدل ما يجتمع اليهود ويفكروا في الأحداث وفي كلمات يسوع والنبوات عنه بدأوا يفكرون في الانتقام منه وسرعان ما انتشرت سوسة الانتقام –حشرة خبيثة، تدمِّر كل شيء تأتي عليه، وتؤدي إلى هلاك الزروع والأشجار في أركان المدينة كلها.

لكن التدمير الذي تحدثه لا تظهر آثاره ونتائجه المؤلمة إلا بعد فترة طويلة من الزمن، وحينها لا بكاء ينفع، ولا شكوى تفيد – فالسوس انتشر بشكل كبير وأصبح ينهش في أركان المدينة والقائمين على المجمع اليهودي  وبات تفكيرهم الوحيد في كيفة التخلص من السيد المسيح؟ .

ما الفرق ما بين ما فعله اليهود عقب خروج السيد المسيح- أي يوم الشعانين- من القدس إلى بيت عنياء؟ وما بين ما يفعله بعض الناس حاليًا مع بعضهم البعض؟  للحديث بقية.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات