إله الفرصة الثانية!

بقلم منير بشاى

الله كما نؤمن به هو صاحب الباب المفتوح الذى يرحب بكل من يقبل اليه.

قال السيد المسيح عن نفسه “أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى” (يو 10: 9). فالانسان له كامل الحرية فى ان يختار مواقفه من الله ويتحمل مسئولية اختياره.

يستطيع الانسان ان يدخل الباب ويظل داخله او يخرج منه ويظل خارجه او يعود اليه مرة اخرى.

وطالما فرصة التوبة متاحة سيظل الله فاتحا ذراعيه منتظرا عودة الضال لأنه إله التائبين، اله الفرصة الثانية.

فى مثل الإبن الضال (لوقا 15: 11- 33) يصور لنا السيد المسيح ابنا اراد ان يجرب حريته بعيدا عن بيت ابيه.

طلب الإبن من ابيه أن يعطيه نصيبه من الميراث فاخذه ومضى الى بلدة بعيدة لينفقه على الملذات والشهوات.

وعندما نفد المال واجه الشاب الوجه القبيح من الحياة بعيدا عن بيت الآب.

اضطر ابن العز ان يشتغل حتى لا يجوع ووصل به الحال ان يعمل كراعى للخنازير وكان يشتهى ان يملأ بطنه من الخرنوب الذى تأكله الخنازير ولم يعطه احد.

عاد الشاب الى نفسه وأدرك خطأه.

أخذ يعود بفكره الى بيت ابيه وتذكر كيف ان الاجير عند ابيه يأكل ويشبع ويفضل عنه الطعام بينما هو يموت جوعا.

وقرر ان يعود الى بيت ابيه، ولكن المشكلة كيف يواجه ابيه بعد ما عمله؟ قال: أعترف لأبى بخطأى وبأننى لست مستحقا ان اكون له ابنا واطلب ان يجعلنى كواحد من الاجراء.

بدأ الإبن رحلة العودة وبينما كان ما يزال بعيدا رآه ابوه.

كان الأب يعلم سوء اختيار الابن وكان يتمنى ان يكتشف خطأه ويعود.

وكانت عينا الآب شاخصة الى الطريق تنتظر عودة ابنه الذى غاب.

وفجأة ظهر الابن من بعيد ولما رآه الاب تحركت مشاعر الحنان فركض نحو ابنه واحتضنه ووقع على عنقه وقبله غير مكترث برائحة الخنازير التى ما تزال عالقة به.

حاول الابن ان يردد الكلمات التى اعدها ولكن الأب اوقفه قبل ان يطلب ان يجعله واحدا من الاجراء.

اعاد الأب لإبنه مركزه وامر ان يلبسوه الحلة الأولى وان يضعوا خاتما فى يده وحذاء فى رجليه وان يذبحوا العجل المسمن ليأكلوا ويفرحوا.

قال الآب “لأن ابنى هذا كان ميتا فعاش وضالا فوجد”.

وقال المسيح عن عودة التائبين ” يكون فرح فى السماء بخاطىء واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجوا الى توبة” لأن الله هو اله التائبين الذين يبحثون عن فرصة ثانية.

ولقد تقابل السيد المسيح مع خطاة كثيرين فاعطاهم فرصة ثانية ولكنه حذرهم من العودة للخطيئة.

كان المسيح يعتقد ان رد انسان لحياة البر افضل من قتله بسبب خطيئته.

ولذلك لم يامر برجم الزانية وقال للمشتكين عليها “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها اولا بحجر”.

فانصرف الجميع لأنهم كانوا كلهم خطاة.

ثم قال لها “ولا انا ادينك اذهبى ولا تخطئى ايضا”.

يوحنا 8: 11 وتقابل المسيح بمفلوج كان ينتظر 38 سنة ملاكا ينزل ليحرك ماء البركة لينزل ويشفى.

قال له انتظارك قد انتهى قم احمل سريرك وامش فقام فى الحال.

ولكن عارف القلوب كان يعلم ان مرضه كان بسبب الخطيئة فقال له “لا تخطىء ايضا لئلا يكون لك أشر” يوحنا 5: 14 وحتى تلاميذ المسيح كانوا بحاجة الى الفرصة الثانية.

فبطرس أنكر المسيح امام جارية ولكن المسيح عالج خطيئته بنظرة عتاب جعلته يدرك شناعة فعلته فيخرج خارجا ويبكى بكاء مرا.

وكانت نتيجة معاملات الرب معه ان هذا الهارب من المسئولية اصبح احد اعمدة الكنيسة واستأمنه المسيح على رعاية غنمه (يوحنا 21: 8)، وذلك الخائف من جارية اصبح بطلا جريئا وقف امام رؤساء الكهنة وواجههم وقال لهم “بأيدى أثمة صلبتموه وقتلتموه ” أعمال 2: 23 وتوما شك فى قيامة المسيح وقال ان لم يبصر فى يديه اثر المسامير ويضع يده فى جنبه فى آثار الحربة لا يؤمن.

وجاء المسيح فى زيارة خاصة لتوما ليريه ما طلب ان يرى فيؤمن وكان ذلك فى وجود بقية التلاميذ ليؤكدوا الامر لتوما ولكل شكاك فينا على مر العصور. (يوحنا 20: 28) واله الفرصة الثانية يريدنا ان نتشبه به فى معاملاتنا مع الآخرين فنتحمل ضعفاتهم ونعطيهم فرصة ثانية.

وهناك مثال لاحد المنتفعين بالفرصة الثانية وهو يوحنا مرقس.

فعندما خرج الرسل لللكرازة انطلق الشاب مرقس مع الرسولين بولس وبرنابا فى الرحلة التبشيرية الأولى وكرز معهما فى انطاكية وقبرص وآسيا الصغرى.

ولكن لظروف لا نعرف تفاصيلها ربما كانت مرضا اصابه لم يكمل مرقس الرحلة وعاد الى اورشليم.

وعندما بدأ الرسول بولس رحلته الثانية تذكر لمرقس هذا ورفض ان يأخذه معه اما برنابا فأصرّ ان يعطيه فرصة ثانية.

وكانت النتيجة ان الفريق اصبح فريقين بولس معه سيلا وبرنابا معه مرقس.

ولكن بولس ما لبث ان اعترف بقيمة مرقس فيذكره فى مقدمة العاملين معه (فليمون 4: 2).

ويذكره ضمن العاملين معه فى الرسالة الى كولوسى.

وفى اسره الثانى كتب لتيموثاوس يطلب ارسال مرقس لأنه نافع له للخدمة (2 تى 4: 11).

ولكن لعل اكثر المنتفعين من خدمة مرقس هم اقباط مصر.

فمرقس هو من جاء الى مصر وكرز بالانجيل لشعبها واسس مذبح كنيسة الاسكندرية وهو من مات شهيدا على أرضها.

ولكن الفرصة الثانية على قدر ما هى امتياز فهى مسئولية. فالباب المفتوح لن يظل مفتوحا الى الأبد لأن من يقاوم عمل الروح القدس المرة تلو المرة قد يتقسى قلبه ويفقد الرغبة فى التوبة.

الله لا يسر بموت الشرير مثلما يرجع عن طريقه ويحيا (حزقيال 18: 23.)

ولقد بكى السيد المسيح على اورشليم لأنها لم تعرف زمان افتقادها وذكرها بكم من المرات اراد ان يجمع اولادها كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم يريدوا (متى 23: 37) و (لوقا 19: 44)

 نقلا عن الأهرام الكندى

تحرير

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات