أنا وليبيا !

أول مرة أسافر فيها لبلد آخر غير مصر كانت إلى ليبيا؛ عام 1970 في العيد الأول للثورة الليبية، وكان عُمري 23 عاما.

كنا شابين يعشقان المغامرات والبحر؛ فقررنا السفر في شمال أفريقيا انطلاقا من عروستنا.. الاسكندرية، مع قليل من المال.

كان هدفي أنا الوصول إلى الجزائر، وكان صديق الطفولة محمود يحاول اثبات قوة تحمّله، وكان فعلا قوي الشكيمة والجسد، ولا يخاف البحر أو الصحراء! أوقفنا سيارات عدة مرات للوصول إلى النقطة التالية مجانا، ولم يكن أي منا قد رأى بلدًا آخر غير مصر.

رحلة استغرقت تسعة أيام، ولعلي ألتقط منها بعض المشاهد، وأحتفظ بالباقي في مُخيلتي حيث تركن ذكرياتي في مكان دافىء وعزيز لدي.

في العاصمة الثانية، بنغازي، لم نوفّق في فندق رخيص أو بيت الشباب، رغم الاحتفالات في كل ليبيا بالعيد الأول لثورة العقيد معمر القذافي.

ذهبت وصديقي محمود إلى قسم الشرطة وأبلغناهم أننا من الاسكندرية ونريد المبيت على الأرض في تخشيبة مؤقتة للمتهمين.اتصل المأمور بضابط كبير وأبلغه بوصول شابين مصريين يريدان المبيت مجانا في تخشيبة الحجز.

وافق الضابط مندهشا، وقضينا سهرة جميلة مع الشرطة، احتسينا الشاي الليبي الكثيف، وأتذكر أن أحدهم قال لنا: قريبا سنصبح مثل مصر، وستكون كلية الحقوق أربعة أعوام بدلا من عامين!ركبنا مع شابين من ألمانيا الغربية (!) ، واخترقنا الحواجز فأوقفتنا الشرطة بالتهديد بسلاح ناري، واصطحبونا إلى قسم شرطة زليطن مهددين إيانا بعذاب أليم.التهمة هي ركوبنا سيارة اثنين من ألمانيا الغربية، أي جواسيس!

كان الخوف من أي علاقة مع الغرب شديدا، وأي تعاطف مع الكتلة الشرقية هي صداقة بريئة.

انتهت المغامرة على خير.

وفي طرابلس الغرب طلبنا من حارس مدرسة أن ننام في أحد الفصول، وأقسمنا له أننا سنغادر قبل وصول التلاميذ في اليوم التالي.ذهبنا في طرابلس إلى السفارة التونسية للحصول على تأشيرة دخول، لكن الموظف المسؤول أبلغنا بأن هذا مستحيل لأن الرئيس بورقيبة لا يحب الرئيس جمال عبد الناصر(!) ففشلنا.

تذكرت الآن أنني في مارس عام 1979 ذهبت إلى السفارة الايرانية في أوسلو للتهنئة بنجاح الثورة والاطاحة بالشاه، محمد رضا بهلوي.

لكن موظفا في السفارة رفض دخولنا لأن الإمام آية الله الخوميني قال بأن أعداء الله لا يدخلون السفارة! استفسرت منه عن أعداء الله؛ فقال: اليهود والمصريون.

ومنذئذٍ لم أدخل سفارة طهران في أي مناسبة.المهم بأننا في عام 1970 فقدنا الأمل، فاقترحت على محمود أن نخترق الصحراء جنوبا إلى غدامس(650 كيلومترا من طرابلس) وندخل منها إلى الجزائر.

اتهمني محمود بالجنون، فكيف نكمل مغامرتنا بما لدينا: 22 دولارا! ذكريات أول مرة تغادر فيها وطنك تظل ملتصقة في الذهن طوال حياتك.أطال الله في عُمر صديق الطفولة محمود قناوي فقد تشاركنا في الصحراء والبحر والكتاب!

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

تحرير نقلا عن الأهرام الكندية

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات