بابا المحبة وبابا السلام .. كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني

البابا تواضروس الثاني
نادية فرج

أخونا الحبيب صاحب القداسة البابا فرنسيس باسم أعضاء المجمع المقدس وكل الهيئات الكنسية نرحب بقداستكم فى بلدنا مصر، بلد التاريخ والحضارة حيث يلتقى الغرب بالشرق منذ فجر التاريخ، حيث يجري نهر النيل الخالد فى وسط أرضنا الطيبة ليشرب كل المصريين منه الوسطية والاعتدال، أرحب بكم فى مصر شرقًا وغربًا مباركة الأرض والشعب، أرحب أيضًا بقداستكم فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية مهد الحياة الرهبانية، أم الشهداء ملهمة مدرسة الإسكندرية، منارة اللاهوت فى التاريخ!

إن زيارتكم اليوم هى خطوة جديدة على طريق المحبة والتآخى بين الشعوب ، فأنتم رمز من رموز السلام فى عالم صاخب بالصراعات والحروب، عالم يتوق لجهود مخلصة فى نشر السلام والمحبة ونبذ العنف والتطرف. فأهلاً بكم فى أرض مصرنا الحبيبة، التي تدفع كل لحظة ضريبة الدم من زكي الدماء وزهرة الشباب لأجل أن تبقى أرض السلام للجميع، فمرحبًا بقداستكم بابا السلام فى أرض السلام. إننا إذ نستقبلكم اليوم فى الدار البطريركية وبمزيج من المحبة والسعادة، نتذكر حفاوة قداستكم وكرم ضيافتكم إبَّان زيارتنا لحاضرة الفاتيكان منذ أربعة سنوات، إذ وجدنا رجلًا مملوء بروح الله، ولمسنا – والوفد المرافق لنا جهدكم الحثيث المبارك فى سبيل تضفير وتوثيق العلاقات بين اثنين من أقدم الكراسى الرسولية، كرسى بطرس وكرسى مرقس، وهو ما يستحق كل إعزاز وإجلال. قداسة البابا .. لم يكن اختيارنا للعاشر من مايو 2013 محض صدفة، وإنما حرصنا أن تكون هذه الزيارة فى نفس اليوم الذى زار فيه مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث سلفكم الحبر الرومانى بولس السادس فى 1973، وهو ما كان تأسيسًا لتقليد سنوى، هو “يوم المحبة الأخوية” إذ نقيمه ونحييه بالتبادل بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، حيث نصلى سويًا، ونتبادل الرؤى ونتشارك طعام المحبة.

كما أن لتاريخ زيارتكم اليوم دلالة روحية، فإن قدومكم فى أيام الفصح المقدسة وحوارنا اليوم يستدعى إلى الأذهان قصة تلميذى عمواس، حيث يقول الكتاب “وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا.” (لو15:24) إن حوار الكنائس الشرقية مع الكنيسة الكاثوليكية يحتفل هذه السنة بعامه الخامس عشر يسوده ويجمع كل أعضائه قناعة واحدة هى وصية الرب الإله عندما قال: “بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ”. (يو35:13). ومن هنا أقول، إن الوحدة فى عالم اليوم تجئ أهم وأوضح شهادة للمسيح يمكن أن نقدمها للعالم، ولذلك يا قداسة البابا فإننا نصبو إلى ذلك اليوم الذى نكسر فيه الخبز سويًا على المذبح المقدس وذلك اليوم الذى تدق فيه كل أجراس كنائس المسكونة سويًا احتفالاً بميلاد المخلص أو بقيامته. ولعلها مناسبة مباركة لنبعث بالشكر إلى الكنيسة الكاثوليكية إثر ما قدمته لعموم المصريين فى مجالات الفكر فلا ينكر أحد الأيادى البيضاء للآباء اللاساليين، والآباء اليسوعيين أو راهبات القلب المقدس على إسهاماتهم فى النهضة التعليمية فى مصر، ولا يجوز كذلك إغفال دور الآباء الدومينيكان فى البحث العلمى والحوار بين الشرق والغرب من خلال معهدهم وديرهم العامر بالقاهرة، وغيرهم من الرهبانيات الكاثوليكية التى تواجدت فى مصر وقدمت تجارب عصرية المنهج وأصيلة المضمون، تسهم فى خدمة كل أبناء المجتمع بصرف النظر عن دينهم أو عرفهم. شكر آخر نقدمه لكنيستكم وبالنيابة عن كثيرين من المصريين الأقباط فى الخارج الذين صلوا واحتفلوا بفرح تام بالأعياد على مذابح كاثوليكية، حيث لم يتوان الكرادلة والأساقفة حول العالم عن فتح كنائسهم لهؤلاء من أبنائنا لممارسة صلواتهم وطقوسهم فى محبة مسيحية وشركة صادقة.

قداسة البابا .. نود أيضًا أن نعبر عن تقديرنا لشخصكم الحبيب، ودوركم على الساحة العالمية، والذى بات جليًا من بداية حبريتكم، فاختياركم لاسم القديس فرانسيس الاسيزى يحمل الدلالات التى ترسخت مع صدور نصوص مثل: ايفانجيلى جاوديوم Evangelii Gaudium و لاودانو سى Laudato Si ومع كل مقال تفوهتم به أو خطاب، كنتم جرس تذكير للعالم كله بالله الذى جبل الإنسان على غير فساد، فكان إن خلقنا على صورة ومثال منه. هكذا سرتم يا قداسة البابا على خطى شفيعكم فرانسيس الاسيزى ودربه المقدس الذى عرج – أيضًا – على مصر منذ ما يقرب من ألف عام. وأقام مع السلطان الكامل واحدة من أهم تجارب حوار الحضارات فى التاريخ، لتتجدد اليوم بقدومكم، ولتأكدون على أن الحوار هو الطريق والجسر الممدود بين الشعوب وبعضها البعض وهو الأمل الباقى للإنسانية على مدى الدهور. يا قداسة البابا .. لعل استجابتكم لدعوات عدة تلقيتموها وعلى رأسها دعوة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، والتى مثلت دعوة عمود المصريين جميعًا، هى أبلغ رسالة للعالم كل

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات