صادق رؤوف عبيد يكتب” إن أحببنا المسلمين الصادقين فأي فضل لنا ؟”

 

 

دائماً ما يردد الناس مقولة السيد المسيح “أحبوا أعداءكم”. ولم أسمع أحداً هذه الأيام يذكر ما قاله السيد المسيح بعد ذلك  في ذات الموعظة علي الجبل: “إن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم؟” حرصت منذ أن بدأت صفحتي العامة علي وسائل التوصل الإجتماعي التي أسميتها “مصر مهد المحبة” أن أجعل أهم المواضيع التي أتطرق إليها  هي موضوع العلاقة بين المسلمين و الأقباط في مصر. ولكني أيضاً أتطرق الي العلاقة بين جميع مسيحي المشرق العربي  مع العرب أجمعين. و لأني أنتمي لعائلة صعيدية قبطية كانت معظم كتاباتي تركز علي مصر.
ولكن يجب أن أكون منصفاً في ذكر دور جميع مسيحي المشرق في رفض التدخل البريطاني ,, والغربي بوجه العموم,, في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين. دورٌ كتبوه بأحرف من نور. فقد دفع ثمن هذا الرفض الصريح للقوي الغربية العديد من مطارنة و أساقفة المشرق إبان ربيع الخراب العربي.

و لدي تسجيل لكلمات صادقة عميقة لمثلث الرحمات الأب بولس فرج رحو مطران الكلدان بالموصل, يتحدث فيها بمحبة صادقة  عن جميع المسلمين العرب الصادقين في مشرقنا العربي. فيه طالب قوي الغرب أن تترك مسيحي المشرق وشأنهم. ويتحدث عن المحبة المشتركة التي توحد قلوب العرب أجمعين للأم البتول التي إصطفاها رب العالمين. فجاء الرد الغربي بإيدي سوداء خفية بعد أيام قلائل من تصريحاته ,, بإغتياله في التاسع و العشرين  من شهر فبراير 2008.

علق علي هذا الامر حينئذ بحزن مطران حلب للسريان الأرثوذكس مثلث الرحمات مار يوحنا بولس إبراهيم. وأدلي بأحاديث مستفيضة, (أيضاً لدي نسخة من إحداها),  ورفض بعنف وبوضوح التدخل الغربي في بلادنا العربية. فجاءه نفس الرد علي الحدود التركية السورية. خطفٌ تلاه إختفاءٌ بمثابة الإستشهاد. وأنضم مطران السريان الي مطران الكلدان في مقره الجديد في ديار الرحمن. ويبدوا أن قوي الشرلم ترد أن تبقي أبناء الطائفة العربية للروم الأرثوذكس بعيدين عن السريان والكلدان أكثر من هذا.

فأرسلت اليهما أيضاً في مقرهما الجديد  في ديار الله العامرة  مثلث الرحمات  الأب المطران بولس اليازجي مطران الروم الأرثوذكس بحلب. و ليس سراً أن داعش منظمة تعمل بالغاز الطبيعي تمويلاً,, إلا أنها أيضاً تعمل بترتيب غربي فكراً و تدبيراً.

وتكررت محاولات إيقاع الفتنة بأبناء العرب وبتقارير من سفراء يعملون علي الأراضي المصرية في الوقيعة بين المسيحيين و المسلمين في مصر. فقامت جماعات لقت التأييد المباشر والتمويل غير المباشر من دولٍ عظمي غربية بالعديد من الأعمال الإرهابية علي أراضي مصر. و لكن عظمة الشعب المصري بمسلميه قبل مسيحييه  تجلت بصورة رائعة بهية.

أذكر أني وضعت صورت شهيد أقباط الصعيد في ليبيا عصام بدار ناظراً للسماء بثبات و يقين  و بجانبها صورة راهبة قبطية سالت دموعها و كتبت قائلاً: “رقاب و إن قطعت تبقي الرؤوس مرفوعة و دماء و إن سالت تبقي الصلاة مسموعة”  فتناقل هذه الصورة عني من الأشقاء المسلمين أكثر  من الذين تناقلوها الأقباط أضعافاً مضاعفة.

ولعل هذا هو أحد الأسباب التي أريد أن أوجه بها عتاباً صادقاً للبعض من الأقباط في مصر في علي توصيفهم أن العلاقات بيننا و بين و أشقائنا المسلمين تلزمنا بها وصية “أحبوا أعداءكم”. فمن قال أن تسعة و تسعين في المائة من مسلمي مصر تنطبق عليهم هذاه الوصية؟

الحقيقة التي أراها بوضوح  أن مشاعر الأقباط في مصر تجاه غالبية المسلمين يجب أن تكون خاضعة لقول السيد المسيح في الموعظة علي الجبل: “إن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم؟”

لست بغافل عن حوادث العام الماضي و الحالي فيها رأينا سفك دماء قرابة المائة من الأقباط وهم يصلون في كنائسهم. ولكن تبقي الحقيقة الساطعة أن أكثر من تسعة و تسعين في المائة من المسلمين في مصر, بل و في سائر المشرق العربي يحملون تجاه المسيحيين العرب مشاعر محبة قلبية صادقة. وواجب علينا نحن أيضاً ما دمنا نتبع معلماً صالحاً  علمنا قدسية الرحمة و العدل أن لا نظلم أحداً. و أي ظلم أكثر من هذا أن نُحَمّلَ جميع المسلمين جريرة ذنوب ترتكبها أو تؤيدها نسبة أقل من واحد في المائة منهم؟

نعم أقولها و أؤكدها أن أي قبطي أو مسيحي في المشرق يردد عبارة  “أحبوا أعدائكم” عن العرب إجمالاً هو ظالم. بل لم يتبع الحق ولم يفهم العدل ولم يري قلبه نور المسيح. فالكلمات التي يجب أن نذكرها في علاقتنا مع أهالينا المسلمين العرب يجب أن تكون هي كلمات السيد المسيح  ” إن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم.”

ومحبة الناس للذين يحبونهم ليست إستجابة لوصية, وليست فرضاً دينياً, بل هي طبيعة كامنة في النفس البشرية. فقد علمتنا الكتب المحفوظة لدينا منذ قديم الأجيال بالعبرية و اليونانية وكافة اللغات الحديثة و القديمة.

أن الله سبحانه و تعالي قد خلقنا بأن نفخ في التراب من روحه المقدسة. فصرنا بشراً وصرنا من روح الله نسمةً وكياناً. فإذا نظر كل إنسان إلي من بجواره بعين الروح لا بعين الجسد, لرأي في الآخر روح الله و نسمته. ولكانت المحبة هي الأصل في الروح لا العداء أو الكراهية.

و إن كنت لا أنكر أهمية العقائد و العبادات  والصوم و الصلاة بالإرتقاء بالروح فوق الجسد, إلا إنه تبقي الحقيقة كامنة في قلب الإنسان.

أن جوهر الأمر كله هو صدق المحبة و العطاء للآخرين. فوصية المحبة قد كتبها الخالق عز وجل منذ فجر الخليقة, علي قلوب البشر أجمعين.

و حين تحجرت قلوب الناس  أعاد الله كتابة الوصية علي الحجر. فوق جبل سيناء كتب الله وصية المحبة مرة أخري لعل وصية المحبة علي الحجر تدوم أكثر من بقائها علي قلوبٍ تحجرت.

و حين إنكسر الحجر كتب السيد المسيح  بنفسه هذه الوصية مرة ثالثة بالفعل لا بالقول.
وحين سأله اليهود ليجربوه عن أعظم الوصايا أجاب قائلاً: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». ثم أضاف أن في هذا هو جوهر الشريعة كلها.

وأكد بمثل السامري الصالح أن القريب هو كل إنسان نقابله في طريق الحياة. أكان علي ديننا أوعلي غير ذلك. مَثَلُ السامري الصالح الذي شرح به السيد المسيح علاقة جميع البشر ببعضهم البعض كان واضحاً.

فأهل السامرة و أهل اليهودية كانوا علي خلاف عرقي و عقائدي. فنعم هذا هو خلاصة الأمر كله, وخلاصة العبادات و جوهر كل خير و كل صلاح. فما أحوجنا في عالم كاد يتغلب فيه ضجيج بعض الواعظين الغاضبين علي هدوء الحكمة والعقل, أن نخلو الي أنفسنا ليلاً ونقرأ بهدوء بأنفسنا ما كتبه الله علي قلوبنا أجمعين. فكل من يعلمنا أن نكره الآخر ليس من الله. وكل من يعلمنا محبة الله و الآخرين  هو صوت قادم من السماء. وحين نسمع لهذا الصوت القادم من فكر قلوبنا نسمع رسالة الله وصوته الحنون القدوس.

و تعزف أرواحنا أجمل الالحان مسبحة الله فرحة محققة مشيئته يوم نفخ في التراب فخلق إنساناً جميلاً علي صورته تعالي.
أنساناً فرحاً مسالماً صانعاً للخير و ناشراً له. إنساناً يحب خالقه ويحب أخاه .

 

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات