دكتورة صفاء سيد ولسة بحلم بيوم : عودة العقول المهاجرة

دكتورة صفاء سيد

كثيرا من العقول المفكرة هاجرت إلى أمريكا أو أوروبا، وآخرين هاجروا إلى بعض الجامعات فى البلاد النفطية، وقضى بها عشرات السنوات، وتم تفريغ بعض الأقسام العلمية من أساتذتها تحت اسم «الإعارة» أو التعاقد مع إحدى الجامعات فى بلادنا العربية، ولو أن تلك البلاد تمنح الجنسية فربما بقى الكثيرون هناك نهائياً، وهذا ملف طويل وشائك، إذا كانت الظروف دفعت هؤلاء العلماء إلى الهجرة أو قادتهم إليها فإن هذا لا يمنع من الاستفادة بما لديهم وتجديد صلاتهم بوطنهم الأم.
ينبغي الا يغيب عن الاذهان ان هجرة العقول المصرية نتيجة منطقية للواقع المصري بمختلف ظروفه ومعطياته، لذا فان ايقاف نزيفها او تخفيف حدته يتطلب ارادة وطنية وقومية قوية . حيث نشهد اليوم هجرة المبدعين. وهجرة العقول هي أن يترك شخص او جماعة من الناس مكان إقامتهم لينتقلوا للعيش في مكان آخر، وذلك مع نيّة البقاء في المكان الجديد لفترة طويلة ، أطول من كونها زيارة أو سفر.

أنواع هجرة العقول تتمثل في:
العقول التي هاجرت من البلاد هربا من الضغط الاقتصادي
الطلاب الذين ارسلتهم الجامعات والمراكز البحثية لاكمال دراستهم في الدول الغربية ولكنهم ايضا لم يعودو
الذين نشؤو في المهجر الغربي سواء اكانو مولودين فيه ام هاجرو اليهم وهم صغار
عوامل جذب العقول المصرية إلى الدول المتقدمة :
العامل الاقتصادي: يجذب الكفاءات إلى دول مرتفعة الدخل , ويجعل العلماء يرغبون في العيش في وسط علمي والاستفادة من بنيته العلمية التحتية المؤلفة من التجهيزات والمختبرات والتسهيلات التي توفرها الدول المتقدمة.
اكتشاف الدارسين في الغرب أن النظام التعليمي في الدول المتقدمة متناسب مع حلّ مشاكلها.
التسهيلات التي تقدمها الدول المتقدمة للحصول على الإقامة الدائمة وإشعار الكفاءات بالانتماء والمساواة وتقدم التسهيلات والاغراءات والمكافاءات
الزواج من مواطنة من الدول المتقدمة وإنجاب أطفال تعلموا اللغة الأجنبية.
أسباب هجرة عقولنا:
ان مؤسساتنا المصرية لا تميز في كثير من الاحيان بين المتميز وغيره حيث توجد الانظمة الجامدة التي تعامل الجميع بنفس المقياس ولا تعطي للمتميز ما يشجعه على مزيد من البذل والعطاء ناهيك عن ان مجال العمل والبحث والتطوير محدود أمامه مما يجعله بين خيارين اما الاستكانة والقبول بالامر الواقع وهذا الاسلوب راح ضحيته آلاف من العلماء المتميزين ويذهب ضحيته اعداد هائلة في وقتنا الحاضر والخيار الثاني هو قبول العروض المغرية التي تقدمها المراكز العلمية في الغرب لكل متميز مبدع والتي تتمثل بالمال والجاه وكثير من المميزات التي لا يحلم بها في وطنه الأم.
الاحباط بمعنى ان يكون الاقل كفاءة هو المسؤول عن تسيير دفة العمل والتخطيط في المراكز العلمية مثل الجامعات ومراكز الابحاث وغيرها فمثل هؤلاء تجد ان لديهم مركب نقص ويعرفون في دواخل أنفسهم مستواهم لذلك يعتبرون كل متميز عدواً لهم لان وجوده يظهر نقصهم امام الاخرين فيلجأون إلى كل وسائل الإحباط الممكنة للتخلص منه.
بعض من ملكة العقل المتميز يدفعه إلى الهجرة طموح علمي لا يحققه الموقع الذي يتواجد فيه حتى وان احترم وقدم على غيره لذلك تجده يذهب إلى حيث يجد ضالته وهي إشباع روح البحث والتطوير أو المشاركة الفاعلة في الرأي والخبرة أو الحصول على الدعم المادي والمعنوي وإلى حيث يستجاب لطلباته مهما كلفت ما دامت سوف تؤدي إلى نتيجة تفيد الممول وتحفظ حق العالم والمؤسسة العلمية.
بعض منهم يكون قد ذهب لتلقي العلم هناك كطالب وبعد تخرجه بتميز يجد فرص العمل متاحة أمامه بل يُخطب لكي يلتحق به فيقرر بعضهم انه سوف يبقي هناك لفترة معينة ويعود إلى وطنه ولكن في الغالب يطول به المقام خصوصاً اذا حافظ على تميزه مما يجعله يتدرج في سلم المجد العلمي فيصعب عليه التفريط بما حققه من انجاز ناهيك عن عدم وجود ما يعول عليه في العودة إلى الوطن.من الناحية العلمية والمادية.
بعض منهم يضع اللوم على الاوضاع السياسية أو الاقتصادية في بلده لذلك نجد ان أكثر العلماء المهاجرين يدفعهم إلى البحث عن مخرج وكل هذا طبيعي فالاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي الجيد من ابرز مقومات التنمية بما في ذلك المحافظة على العقول المتميزة في مختلف التخصصات العلمية والادبية وغيرها.
التقاعد في سن الشباب وقدرته على العطاء (هجرة بسبب وجود الثروة أو للبحث عن مكان أرخص للحياة)
أسباب عاطفية (جمع شمل العائلة مثلا).
أسباب شخصية (محبة بلد آخر مثلا) ومدح هذي البلاد من قبل الأقرباء الذين يقيمون بهذه البلاد .

هل سنبقى هكذا؟ و الى متى ؟
ان نسبة كبيرة من العينات التي سألت وكانت ايجاباتهم ،
ان لديهم الاستعداد للعودة الى وطنهم والعمل فيه والاسهام في بناء حضارتهم اذا توفرت الظروف الملائمة وبخاصة الامن السياسي والوظيفي. وعلى الأغلب لم تتوفر فى مصر لهم الفرص التى حلموا بها وتطلعوا إليها، ولا مناخ البحث العلمى الذى يُمَكِّنهم من مواصلة أبحاثهم، نموذج ذلك د. أحمد زويل ود. فاروق الباز، فالمؤكد أن هؤلاء العلماء وتلك العقول فيهم مَن لم يبتعدوا تماماً عن بلادهم ومجتمعاتهم، وأمامنا د. مجدى يعقوب وما يقوم به فى أسوان ومركز القلب الذى أسسه هناك، وحاول الراحل د. أحمد زويل تأسيس مدينة علمية هنا فى مصر لتكوين جيل جيد من العلماء، وكذلك د. مصطفى السيد، الذى توصل إلى إمكانية علاج السرطان بجزيئات الذهب، والمهندس هانى عازر، مهندس الأنفاق فى ألمانيا، وهناك آخرون غيرهم لم يترددوا فى أن يفيدوا وطنهم ومجتمعهم.
وهذا يعنى أن الدولة المصرية فى أرفع مستوياتها تهتم بعلمائنا فى الخارج أو عقولنا المهاجرة، وتحاول تجديد وتقوية صلتهم بالوطن، وتفتح المجال أمامهم للاستفادة من إمكانياتهم العلمية وما يمكن أن يقدموه لبلدهم، وتكوين مؤسسة علمية ضرورة لهؤلاء العلماء، تكون حلقة وصل بينهم وبين الأجهزة التنفيذية داخل مصر للاستفادة مما لديهم من علم وأفكار، فى المشاريع التى تقوم بها أو ستقدم عليها، وأن يعمل كل مَن هؤلاء على توفير عدد من البعثات والمنح الدراسية بالجامعات الأجنبية للباحثين الشبان.
إنها محاولة لاستعادة العقول المهاجرة، والمهم أن نستمر فيها ونواصلها.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات