“القمص موسى الانبا بيشوى” يتذكر فى ذكرى تدشين مذبحى كنيستنا فانكوفر ومعموديتها

فى إتضاع دعانى أن أرافقه طريقه إلى الكنيسة من مقر إقامة قداسته ..

وما أن وصلنا إلى فناء الكنيسة الخارجى حتى همس فى أذنى بإبوة يشجعنى : ( كنيسة جميلة يا أبونا ، ربنا يبارك لك وتعيش وتعمر ) ..

كلفنى قداسة البابا المتنيح أن أخدم كنيسة فانكوفر بعد أن خدمت فى أماكن سابقة ، كنت قلقًا من البدايات إذ إختبرت الخدمة فى مناطق بكر لم تُخدم من قبل ، البدايات دائمًا وعرة غير واضحة المعالم تقابلها مضايقات عدو الخير وتدخلات غير الروحيين الذين يقيسون الأمور بميزان العالم ومبادئه التى تتعارض وفكر الله السامى عن إدراكنا ، اللفيف مندس بين شعب الله الخارج من أرض مصر يعيره بقدور اللحم ويستثيره ضد موسي وهارون ، وسنبلط الحورونى ورفيقيه العمونى والعربى دومًا ضدنا فى كل جيل ..

كان جل همى أن أخدم شعبًا ( قليل العدد والإمكانات ) متعطشًا إلى كلمة الله يخور فى الطريق يحتاج أن يسنده الخبز النازل من السماء حتى لو سكن فى خيمة من تخس الجلود ، البرية قاحلة والرحلة عابرة لا تعرف الإستقرار ، الرمال متحركة تحت أقدامنا لا تعطى الأمان ولا تشيد على الرمال القصور أبدًا ، يكفينا أن نبنى على صخر الدهور والصخرة تظل تتبعنا ، وكانت الصخرة المسيح ( ١ كو ١٠ )

وكل خادم يرتمى فى حضن الله القدوس لا يخزى أبدًا ، وكم أدعو خدام الله لأمناء أن يكتبوا ويحكوا لنا عن عمل الروح بهم ومعهم وسط ( تشويشات ) يعلو صوتها فى الميديا اليوم ، لقد تُهنا ، وتاهت أهدافنا وسط سلبيات يعلو صراخها وصخبها يحاول أن يلهينا أن نرى يد الله الواضحة معنا ومع شعبه ..

نحن نحتاج أن نستذكر تاريخ عمل الله القدوس معنا كل يوم ، نحتاج إلى صوت الروح يشجعنا ويسند ضعفنا ، لئلا ننسي ..

فرحة الصغار والكبار بمبنى متواضع يحولونه إلى كنيسة قبطية لا تعادلها فرحة ، الكل يمد يده بمساعدة يحتاجها المبنى ، وتقف على الباب سيدة تجاوزت التسعين من عمرها تستند على عجازها تستأذن الدخول إلى كنيسة كانت مكان عبادتها منذ نصف قرن من الزمان : ( لى ذكريات كثيرة فى هذا المكان أيها الأب ، هل تأذن لى أن أودعه وأشهد التغييرات التى قمتم بها حتى تحولونه إلى كنيسة قبطية ؟ ) ..

وما أن دخلت حتى تلاحقت أنفاسها بين سؤال وسؤال ، وأجبتها فرحًا ومرحبًا بمزيد من الأسئلة فخورًا أن أقدم لها كنيستنا وتراثها وهى الكندية البروتستانتية المذهب ، حتى أشارت بيدها تسأل : ( وهذا مكتب راعينا السابق مارك ؟ ) ، نعم سيدتى ، أجبتها واردفت قائلًا :

( But we dedicated it as a chapel after the name of St Anthony and St Paul ) ..

وما أن سمعت ، حتى ألقت بعجازها وقفزت إلى الكنيسة الصغيرة وراحت تسجد منفجرة فى بكاء عميق وسط ذهولى .. !!

حدث ذات صباح من أيام عام ١٩٦٤ أنها خرجت من الكنيسة عابرة الطريق تمسك بيد حفيدها الصغير ( بول ) الذى أفلت من يدها لتصدمه سيارة مسرعة ليلقى حتفه ويرتمى جسده الصغير خلف مكتب راعى الكنيسة ، لقد صبغت دماؤه حائط المكتب وكم كان مؤلمًا عليها – وكل أسرتها وشعب الكنيسة – أن يموت الصبى الصغير بهذا الشكل المأسوى ، وما أن إنتهت فترة الحداد حتى زارت السيدة راعى الكنيسة فى مكتبه وطلبت ملتمسة لو تحولت حجرة المكتب هذه إلى كنيسة صغيرة تحمل إسم القديس ( بول ) تخليدًا لذكرى حفيدها .. وللأسف ، وبين دموعها قالت : لقد رفض طلبى ، والأقباط اليوم يستجيبون إلى طلبى بعد أربعين سنة .. !!

وتساقطت دموعى أيضًا وأنا أحكى لقداسة البابا شنوده الثالث ، ورأيت عينيه تلمعان بالدموع ( نيح الله نفسه ) وهو يهمس : ( الروح يعرف كل شيء ، الروح هو الذى يقود خطواتنا ، الروح له تاريخ معنا وقصص كثيرة .. ) .

اليوم ١٤ سبتمبر ذكرى تدشين مذبحى كنيستنا بفانكوفر ومعموديتها ( الحادية والعشرين ) بيد الروح القدس ، من فم البابا شنودة نيح الله نفسه ، وحفظنا من حيل المضاد بصلوات بابانا الطوباوى أنبا تواضروس الثانى .. آمين .

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات