فاطمة ناعوت تكتب جانا نهار “وقدر” يدفع مهرها

في بدايات عهدِه قبل سنوات، قال لنا الرئيس السيسي: “إحنا مش عاوزين نمشي ولا نجري، عاوزين نقفز حتى نعوِّضَ ما فاتنا.” والقفزُ في المعجم يعني النهوضَ والقيامَ، ثُمّ الوثوبَ أفقيًا ورأسيًّا دون توقّف والتحرّك من مكانٍ إلى مكان لاجتياز المراحل نحو الأمام ونحو الأعلى. وهذا بالضبط ما حدث في الأمس القريب، ويحدث اليومَ وغدًا بإذن الله.

مصرُ الجميلةُ تعلوووو. وهذا المَدُّ في حروف “الواو”، أعني به عددَ وحجمَ الوثبات الجميلة والشاقّة التي قطعتها مصرُ في سنوات قليلة؛ لتُبهجَ القلبَ الحزين. “الواو” حرفٌ عربي يُفيدُ العطفَ والإضافةَ والتراكم. وبالمصادفة هو نطقُ الكلمة الإنجليزية !WOW، التي نقولُها حين ننبهر. وأنا وجميع الُمنصفين نعيشُ حالَ الانبهار بما يحدثُ على مدار اليوم والشهر والسنوات في بلدنا العظيمة مصر. “مصرُ”: اسمٌ هائلٌ مُخيفٌ ومُربك لحسابات الخصوم الحاقدين المحرومين من نعمة الفرح لمن يرتقي. لكنه اسمُ الأمن والرغد والحُبِّ لَمن هو قادرٌ على الحُبِّ والفرح للناجحين. لم يحدثُ في تاريخ العالم أن تفتتحَ دولةٌ ثلاثةَ متاحفَ في يوم واحدة؛ لا سيّما حين تكون المعروضاتُ في تلك المتاحف من ثروات الدولة ذاتها، وليست ممتلكاتِ دول أخرى، مثلما تحتشدُ متاحفُ اللوڤر وبرلين ولندن بكنوز مصرية وصلت إليها بشكل أو بآخر. هكذا قال وزيرُ السياحة والآثار المثقف د. “خالد العناني”، في افتتاح “متحف المركبات الملكية” في حيّ بولاق العريق، يوم الأحد الماضي. هنا مال على كتفي الخالُ “عبد الرحمن الأبنودي” وهمست روحُه في أذني ببضع كلمات.
في أمسيةٍ جميلة فائقة العراقة تسبحُ في أجواء الملكية الأسطورية، في ساحة المتحف، كنّا نستمعُ إلى كلمة الوزير أمام حضور رفيع المستوى وسفراءَ من تسعٍ وأربعين دولة أجنبية، جاءوا يشهدون متحفًا نوعيًّا فريدًا من كنوز مصرَ التي تُدوِّخُ الزمانَ وتُبهرُ العالم. متحفٌ يضمُّ مجموعة باذخة من ثروات مصر من العربات الملكية التي كانت تجرُّها الخيول لتحملَ ملوكَ مصرَ وملكاتِها وأميراتِها من أسرة “محمد علي باشا” وذرّيته؛ للتنزّه في الحدائق والتجوال على أرض المحروسة. كان الخديوي إسماعيل، عاشقُ الفنون المثقفُ الذي أراد أن تتلوّنَ مصرُ بريشة أوروبا المزدانة بالفن والجمال والتحضّر آنذاك، أولَ من قرّر إنشاء بناية خاصة بالمركبات الخديوية والخيول الملكية، وأطلق عليه اسم “مصلحة الركائب الخديوية”. ثم صار اسمه: “إدارة الاسطبلات الملكية” في عهد الملك فؤاد الأول ثم الملك فاروق، قبل أن يتحوّل إلى متحف تاريخي بعد ثورة ١٩٥٢. تعجزُ اللغة ُعن وصف معمار المتحف ومقتنياته الثرية من عربات هي قطعٌ فائقة من الفن الرفيع، والأوسمة والنياشين والبروشات والقلائد الذهبية التي كانت تُزيّنُ صدورَ ملوك مصر وملكاتها، عطفًا على مجموعة نادرة من كسوات الخيول الموشّاة بخيوط الذهب وسروج وكمامات ومقصّات شعر موسومة بالتيجان الملكية، وأزياء سائسي الخيول القائمين على سير العربات بعصواتهم المارشالية، وغيرها من النفائس التي لا تصفُها الكلماتُ. فلا بديل عن زيارة المتحف ومصافحة العيون؛ وشكرًا لأن التذاكر بسعر رمزي للغاية، للمصريين والعرب والطلاب.
إحدى فواكه الحفل كان حضور المصرية الجميلة “غادة والي”، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، التي هاتفت د. عناني قائلة: “عندي زيارة قصيرة لمصر، عندك اكتشافات أثرية جديدة؟” فقال لها: “عندي افتتاح متحف عظيم.” فجاءت لتشهدَ مع أبناء وطنها عظمة مصر وتاريخها الماضي، والمستقبلي بإذن الله.
إحدى وثباتِ مصرَ الراهنة تجسّدتْ في افتتاح ثلاثة متاحف في يوم واحد في “شرم الشيخ”، و”كفر الشيخ”، و”القاهرة”. المتاحفُ ليست رفاهًا، بل هي من صُلب حضارة الدول التي تضربُ بجذورها في عمق التاريخ. ويُقاسُ تحضُّرُ الدول بعدد وقيمة وفرادة ما تمتلك من متاحفَ لآثارها الخاصة التي صنعها سلفُها الصالح؛ لأنها تُشيرُ إلى موقعِها على دَرَج الحضارة. ومصرُ تقفُ على قمّة الدَرَج، لهذا نفخرُ بما لدينا من تراث نادر.
وأما الشاعرُ العظيم “عبد الرحمن الأبنودي” فقد همسَ في أذني قائلا: اليومَ بوسعي أن أُعدّلَ قصيدتي وأقول: (وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار “وقدر” يدفع مهرها/ “طبعًا” بلدنا للنهار/ بتحبّ موّال النهار/ لما يعدّي فى الدروب ويغني قدّام كل دار/ تحلم ببكرة واللى هيجيبه معاه/ تنده عليه فى الضلمة وبتسمع نداه/ تصحى له من قبل الأدان/ تروح تقابله فى الغيطان/ في المتاجر فى المصانع فى المدارس والساحات/ طالعة صُحبة صفوف جنود/ طالعة له رجال أطفال بنات/ كل الدروب واخدة بلدنا للنهار/ واحنا بلدنا للنهار بتحبّ موال النهار… ). “الدينُ لله، والوطنُ لمن يرتقي بالوطن”.

 

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات