سليمان شفيق يكتب رأس السنة ورحلة البحث عن معنى من خلف كمامة

انا اللى بالأمر المحال اغتــــــــــــوى
شفت القمر نطيت لفوق فى الهـــــوا
طلته ما طلتوش أيه أنا يهمنـــــــــى وليه
.. ما دام بالنشوة قلبى ارتوى
صلاح جاهين
كلما نظرت خلفى أشعر بالفخر وإذا نظرت أمامى أشعر بالخوف!! كانت طفولتى تركض أمامى هذا الصباح، أحاول مراجعة 2020، اختلطت السنوات منذ تفجر الوعى الأول.. منذ ستين عاما حينما كان عمرى سبعة سنوات، ليلة رأس السنة، أمى تصطحبنى للكنيسة، تخشى أن أنام فتحفزنى بأن بابا نويل لو أتى وأنا نائم لن أنال هدية، وكانت هديتى رؤية الروح من خلف بخور الشوربة وحضن أمى، وفى سنوات الوعى الثانى حينما كنت خمسة عشر عاما كنت لا أنام أيضا ولكن كانت هدية بابا نويل سجارة وكأس، وبعدها بسنة.. عرفت طعم القبلة الأولى، وأول رائحة لأنفاس أنثوية. من أنا؟ وما علاقة الزمان بالمكان بـ (الأنا)؟ تساؤلات تلاحقنى منذ نصف قرن دائما فى ليلة رأس السنة وفى مطلع كل عام جديد، سنوات كانت تسكرنى الصلاة والرياضات الروحية وأخرى أسكرتنى المشروبات الروحية، أو عشق كأس معتق من حب، وسنوات عدة قضيتها فى زنزانة السجن أو خندق القتال وفيهما كنت أشعر أننى عدت إلى رحم أمي.. انتظارا للولادة الجديدة فى وطن ظللت أحلم به ولم أره، وها أنا فى سجن الجسد وسكرة ألم المرض أبحث عن 2020، لا أتذكر منه سوى ألم الحب، نعم أن تحب فأنك تتخطى نفسك، وتبحث عنها فى غيرك، وتتألم أن تعيد نفسك لنفسك، كانت 2020 حلما لم أعشه ولم أنم حتى أراه، عام مثل كل عام فى رحلة فى رحلة البحث عن معنى للحياة وللحب وللألم وللحرية فى الجسد أو خارج الجسد، بالروح نحيا وبالجسد نعيش. كلما نظرت خلفى شعرت بالفخر وكلما نظرت أمامى شعرت بالخوف، وأحلامى تتناثر كالمياه من بين أصابعى، ولا أرتوى إلا من رحيق عذوبة مضت، لست أدرى هل أنين العمر أم هواجس الجسد، أم وجع الروح، كان الانتماء رأس الحكمة ولكنه صار رأس المخافة، وأصبح الوطن حلما من أحلام الكرى وصار الزمن عشرين دواء وداء، وانتظار ما لا ينتظر.
2020 العالم يخاف من الكوفيد وأهل قريتى يبحثون فى مقابر أجدادهم عن ميراث غير مشروع يفتح لهم كنوز الحاضر، ويرتدون الكمامات ليس خشية من كورونا ولكن خشية لعنة الأجداد.
2020 هناك خلف خط الفقر ينبت حب الحياة والسعى إلى الرزق من أجل الانتقال إلى العالم الآخر تحت خط الستر.
كلما نظرت خلفى أشعر بالفخر وكلما نظرت أمامى أشعر بالخوف، 2020 أعمل تحت أمرة كمامة تمنعنى عن التنفس خشية فيروس مجهول وكمامة أخرى تكتم أنفاس قلمى خشية فيروس الحبس الاحتياطي.
مصر غيطان الرياح، وكمامات تخفى عيون التلامذة فى الصباح، ورحيق قهوة يتسرب من خلف الكمامة، وقلم يبحث عن مأوى، وألم يتخفى خلف الكمامة، عالم جديد فى انتظار 2021.
ولم يتبق من حب الحياة سوى الكتابة بحثا عن معنى للحياة وربما الرزق. وأردد مع توفيق زياد:
أنا ما هنت فى وطنى ولا صغرت أكتافى
وقفت بوجه ظلامى يتيما، عاريا، حافى
حملت دمى على كفى وما نكست أعلامى
وصنت العشب الأخضر فوق قبور أسلافى أناديكم… أشد على أياديكم.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات