فى الذكرى ال42لاغتياله حمادة إمام يكتب :حكاية العالم المصرى الذى قطع راديو اسرائيل ارساله من اجله!!

“سيكون من الصعب جدًّا على العراق مواصلة جهودها من أجل إنتاج سلاح نووي”
كان هذا نص البيان العاجل الذي أذاعته الإذاعة الإسرائيلية عقب نجاح الموساد فى اغتيال العالم المصرى الدكتور يحيى المشد والذي من أجله قطع راديو (إسرائيل) إرساله يوم 13 يونيو 1980 ليذيعه على الإسرائيليين كخبر عاجل: وفي اليوم التالي جاءت المقالة الافتتاحية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» بعنوان: «الأوساط كلها في (إسرائيل) تلقت نبأ الاغتيال بسرور».
أما فونونو، أشهر علماء الذرة الصهاينة فقال: «إن موت د. المشد سيؤخر البرنامج النووي العراقي سنتيمترًا واحدًا على الأقل».
أما مَن هو يحيى المشد الذي يقطع الراديو الإسرائيلي إرساله من أجله وتصدر خبر اغتياله صدر كبرى الصحف الإسرائيلية فهي قصة نابغة مصري دفع عمره ثمن عبقريته.
وُلِد الدكتور يحيي المشّد في بنها عام 1932، وتعلم في مدارس طنطا وتخرج في قسم الكهرباء في جامعة الإسكندرية، ومع انبعاث المد العربي عام 1952 اختير لبعثة الدكتوراه إلى لندن عام 1956 لكن العدوان الثلاثي على مصر حولها إلى موسكو، تزوج وسافر وقضى هناك ست سنوات عاد بعدها عام 1963 متخصصًا في هندسة المفاعلات النووية، التحق بهيئة الطاقة الذرية المصرية، التي كان قد أنشأها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي أمر أيضًا قبل ذلك بعام بإنشاء قسم للهندسة النووية في جامعة الإسكندرية، انتقل إليه المشد، حتى صار رئيسه عام 1968 بعد سنوات قليلة من جلوسه وراء هذه النافذة حمل الرجل عصاه ومضى تاركًا تلاميذه لمصيرهم.
وهاجر إلى البلد العربي الوحيد الذي أنعم الله عليه بالحسنيين.. الماء والنفط «العراق»، بدأ مارده في أعقاب حرب الكرامة العربية عام 1973 ينفض التراب عن قمقمه. ودَّع يحيي المشد وراءه حلمًا غاليًا في مصر، لم يجده تمامًا في الجامعة التكنولوجية في العراق. في المختبرات التي جمَّعها آلة بآلة كان يجد مع تلاميذه قليلاً من العزاء. لكن مصر في تلك الأثناء كانت تتجه في طريق آخر، وضع السادات يده في أيدي اليهود، وتزعم العراق جبهة الصمود والتصدي، فضرب المشد جذورًا أعمق في العراق. وعلى هامش عمله في الجامعة التكنولوجية سمح للمشد بالتردد أثناء عطلته الأسبوعية على منظمة الطاقة الذرية العراقية، إلى أن جاء العام الذي وقَّع السادات فيه ما يوصف بـ«معاهدة السلام».
وقبل توقيع السادات لاتفاقية الاستسلام بسنوات كان العراق قد خطا خطوات في اتجاه بناء مفاعل نووي معتمدًا على علاقات متميزة مع فرنسا.
ففي عام 74 وصل فاليري جيسكار دي ستان إلى سدة الحكم في فرنسا وقد انفجرت أسعار النفط العربي. بعدها بعام، أيْ عام 1975 كان نائب مجلس قيادة الثورة العراقية آنذاك صدام حسين في زيارة لفرنسا، وكان على جدول أعماله جولة بصحبة رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك جاك شيراك لتفقد مركز الطاقة النووية الفرنسي في منطقة كتراج بالقرب من مارسيليا في جنوب فرنسا، تقول مصادر غربية: إن الزعيمين احتفلا لدى نهاية الزيارة بتوقيع صفقة.
فمنذ بداية السبعينيات التفت العراقيون إلى فرنسا للحصول على التقنيات الغربية المتقدمة والمتطورة في مجال التسلح النووي، وجاءت زيارة جاك شيراك إلى بغداد في ديسمبر عام 1975 عندما كان رئيسًا للوزراء لتكلل التعاون الفرنسي- العراقي في صورة مفاعل يعمل بالماء المخفف واليورانيوم المخصب بنسبة 93%، وتوجت الاتفاقات بعد الزيارة الناجحة التي قام بها صدام حسين إلى فرنسا، لتكتمل الصورة ويتكامل عمل لجنة الطاقة الذرية التي كان يرأسها صدام حسين بنفسه
وقد أكد برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام حسين، أثناء مقابلته للدكتور حسين الشهرستاني في زنزانته، هدف صدام مبلورًا رغبته الأكيدة في برنامج نووي متكامل لأغراض عسكرية حيث طلب التكريتي من الدكتور الشهرستاني الخروج من السجن للعودة إلى لجنة الطاقة الذرية والمساهمة في صنع القنبلة الذرية العراقية وكان الدكتور عبدالرزاق الهاشمي حاضرًا في تلك المقابلة لأنه كان مع همام عبدالخالق يمثلان القصر الجمهوري في لجنة الطاقة الذرية العراقية..
بعد التحاق يحيى المشد بمنظمة الطاقة الذرية العراقية هبط في مطار إير قرب مدينة تولون في جنوب فرنسا فريق من ثلاثة أشخاص قدموا في رحلة داخلية من باريس، عندما وصلوا إلى (تولون) توجهوا إلى محطة القطار حيث استأجروا سيارة من طراز «رينو 12» قادوها إلى فيلا قريبة، داخلها كان أربعة آخرون في انتظارهم، تقول مصادر فرنسية إنهم من عملاء جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد)، باتوا ليلتهم يرسمون خطة تخريبية. في اليوم التالي، أيْ الخامس من أبريل ن عام 79 توجه المخربون طريقهم إلى مرفأ صغير، غربي تولون يُدعى لاسين سومير، كانت هذه جولة استطلاعية أرادوا من ورائها تحديد موقع جريمتهم، في هذا الموقع، في مخزن بعينه كانت تقبع درة التعاون العراقي- الفرنسي تمهيدًا لشحنها عن طريق مارسيليا إلى بغداد بعد أيام معدودة. وضع زوار الليل لمساتهم الأخيرة على خطتهم قبل أن يعودوا تحت جنح الظلام، فيما يراد لنا أن نفهم أن خطتهم الأولى كانت سرقة قلبَي المفاعلين العراقيين إيزيس وأوزوريس كما سماهما الفرنسيون أو كما سماهما العراقيون «تموز1»، و«تموز2» في يسر تسللوا إلى الداخل، وفي يسر ميزوا الشحنة العراقية من بين شحنات أخرى مماثلة، وفي يسر تسرب الوقت فلجأوا إلى خطتهم البديلة، ففجّروا قلبَي المفاعلين ولاذوا بالفرار.
دخل الفندق وجه يركب المصعد
للصعود إلى غرفته، فإذا بسيدة مجهولة تتبعت خطواته، ودخلت معه المصعد والصعود معه، وتحاول إغراءه بكل المحاولات، لكي تقضي سهرة معه في حجرته، لكنه كان رجلاً متدينًا وبعيد عن هذا الاتجاه، ورفض أن يطاوعها في أغراضها، وتركها واتجه إلى حجرته.
إنه التصور النهائي للجريمة نتيجة كل الفحص الكامل أن ما حدث في تلك اللحظة أن «ماري ماجال» العاهرة دورها قد انتهى، لأنه سيناريو الجريمة لم ينتهِ على هذا النحو، فهنا يأتي رجل الموساد يطرق الباب في نفس اللحظة، وعندما يفشل فيأخذ طائرة وينزل في تل أبيب ويرسل اثنين من رجاله في وحدة القتل وتتم عملية القتل بأنه فتح الباب، بمفتاح Master key ويتم ضرب الدكتور بآلة حادة على رأسه.
ذهب إلى يحيى المشد في غرفته وطرق الباب عليه بعد قصة العاهرة «ماري ماجال» وقال له: «نحن أصدقاء.. إحنا ولاد عم، وقال له إن أنا عندي أصدقاء، وإني مستعد إن إحنا ندفع لك أيّ مبلغ تطلبه»، فكان رد الدكتور حادًّا جدًّا وردًّا شرقيًّا، قال له «اذهب يا كلب أنت والذين بعثوك»، فخرج مسئول القتل في الموساد وأخد طائرة العال الصهيونية الذاهبة إلى تل أبيب وبعد أكثر من نصف ساعة كانت عملية.
وفي هذه الليلة بالذات 13 يونيو 1980 قيل إن القاتل كان ضمن الغرفة التي دخل إليها الدكتور المشد، لم يطرق على بابه إنما كان ينتظره ضمن الغرفة، هنا أراد المجرمون أن يشوشوا الصورة لكي يموّهوا دورهم ويُخفوا حقيقة من ارتكب هذه العملية. فتبدو الجريمة وكأنها طبيعية. قال تقرير الطبيب الشرعي إنه قُتل بآلة حادة لماذا؟ لكي يتم الإيحاء أو الإيهام بأن القاتل ليس محترفًا، ولا ينتمي إلى أيّ تنظيم أو جهاز سري، إنما القصة أرادوا أن يحصروا القصة في علاقة دكتور مع امرأة.
لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، ففي ضاحية سان ميشيل بعدها بأقل من شهر كانت أهم شاهدة في القضية العاهرة ماري كلود ماجال تغادر إحدى حانات باريس الرخيصة وقد بدا لمن يراها هكذا في الشارع وكأنها مخمورة، منظر مألوف في هذه الضاحية بعد منتصف الليل، لكن غير المألوف أنها وقد كانت تعبر الشارع دهستها سيارة مجهولة لم يعثر عليها حتى اليوم، مرة أخرى قُيِّدت القضية ضد مجهول.

حمادة إمام

 نقلا عن الأهرام الكندى

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات