الدكتور خالد منتصر
هل الرقم ده يعكس حيوية مجتمع فعلاً؟؟!
إنه رقم مرعب لا بد أن يقف أمامه علماء الاجتماع والسيكولوجى باهتمام، دار الإفتاء تقول بسعادة وفخر إن هذا الرقم دليل على الثقة وكأن لسان حالها يقول ربنا يزيد ويبارك والسنة الجاية إن شاء الله يبقوا اتنين مليون!!
وأنا أراه دليل شلل عقلى وكساح فكرى وفقدان ثقة فى النفس، فأن تطلب فتوى فى كل تفاصيل حياتك، فهذا يدل على أنك قد قررت تجميد عقلك فى الفريزر، وأن تدق باب رجل الدين فى كل حركة وتصرف وسلوك، فهذا معناه أنك معوق ومقيد ومهزوز، تحس بالضياع وكأنك طفل تائه فى المولد يحتاج إلى الإمساك بذيل جلباب أمه طوال الـ24 ساعة
مصر تعيش حالة عصاب الفتاوى، حتى صار أكبر بيزنس فى بلاد أهل الضاد، الوسواس القهرى لطلب إجابات ميتافيزيقية عن أسئلة حياتية موضوعية دنيوية إجاباتها فى فصوص مخك أنت وليست فى مقابر الفقهاء الذين يسكنون المقابر الآن بعد أن بذلوا جهداً مشكوراً لحل مشاكل وقضايا حياتهم وقتها بقدر إمكانهم
قررنا نحن وبمنتهى الرضا والاقتناع أن نسجن أنفسنا معهم فى نفس الأكفان وكأن لدينا ميولاً انتحارية، برغم أنهم لم يطلبوا ذلك ولم يسعوا إليه ولم يصفوا أنفسهم بأنهم آلهة أو أنبياء، ولكننا نحن الذين قررنا إسباغ تلك القداسة عليهم، سباق هستيرى لطلب الفتاوى
ورقم مليون هذا رقم متواضع لأنه لم يضم فى إحصائياته، فتاوى الأون لاين والموبايل والفضائيات وأكشاك المترو.. إلخ
يعنى الرقم بكل بساطة وراحة ممكن يتجاوز الثلاثة ملايين فتوى، فيضان وبركان الفتاوى منذ عدة سنوات صار مادة للتندّر والفكاهة، فمن رضاع الكبير، لضرب المرأة بالقلم الرصاص!!..لمضاجعة الوداع، لنكاح البهائم، لأكل لحوم الجن، لشرب بول الابل، لحرمة خلع ملابس المرأة أمام كلب ذكر،
للسؤال عن الشخر هل هو جائز أم مكروه؟!، لخلع الملابس أثناء الجنس هل هو حرام أم حلال؟
للتبرع بالدم لصاحب دين مختلف؟، لتهنئة شم النسيم، للتعقيم بالكحول، للسؤال عن الإنسولين هل هو محرم لأن فيه شبهة استخلاصه من الخنزير؟، هل مجدى يعقوب سيدخل الجنة؟
هل الشطّافة تفطر؟، هل أطفال الأنابيب حرام؟.. إلخ، نحن فى حفلة زار ضخمة باتساع حدود الوطن وبحضور جماهيرى مائة مليون متفرج، دخول رجل الدين كمرجعية فى كل تفاصيل الحياة هو إعلان إفلاس عقلى، واستسلام فاضح للكسل الفكرى، وقبل هذا وذاك إهانة لأهم هدية ربانية وهى العقل، أنت كمواطن تضع رأسك تحت المقصلة الدينية برغبتك وأنت طائع
وترى المشاكل تخنق الوطن وتمزقه ولا تفكر فى الحل بل فى الفتوى، ترى أسراً تتمزق وبيوتاً تنهار بسبب الطلاق الشفوى، ومرضى يموتون بسبب تعطيل قانون زرع الأعضاء، وانفجاراً سكانياً يأكل الأخضر واليابس
فتذهب كمجتمع لطلب الفتوى، فيرفض رجال الدين أن ينظروا إلى مصلحة المجتمع، بل هم ينظرون إلى الفقهاء القدامى ويهتمون براحتهم فى مدافنهم، فيبلغونهم السلام أن استريحوا، فنحن نطبق ما قلتموه من ألف سنة بالحرف، أما هؤلاء الذين يعيشون فى 2022فليخبطوا رؤوسهم فى أجدع وأتخن حيطة!!
رقم مليون فتوى يا سادة رقم كارثى لا يدعو لأى فخر بل يدعم للرثاء، فمعناه أننا بالجسد فى القرن الحادى والعشرين، وبالعقل فى القرن العاشر.
تحرير نقلا عن الاهرام الكندية