امل فرج تكتب الدماء الباردة

امل فرج امل فرج

اعتدنا من الشعب المصري في العقد الأخير ـ خاصةـ خبرة فائقة في أداء مشاهد التبلد ، وعقم النخوة ؛ فليس عجبا علينا اليوم أن يسرق السارق ضحيته في متسع الطرقات ، وعلى مرأى من كثير من المصريين ، دون أي حراك ، أو ردة فعل منهم لإنقاذ الضحية .. كنا نندهش كثيرا ـ فيما سبق ـ من مشهد كهذا حتى اعتدنا عليه بدلا من معالجته ، أو محاولة معالجته حتى ولو بمحاولة لا طائل منها ، وقد أصبحنا أمام مشهد يجبرنا أن نمهد لأنفسنا باعتياد تحرش المنحرفين بالفتيات ، أو التعرض لهن بأي صورة من صور الانحلال الأخلاقي ، وفي كل الأحوال لم تكن الفتيات بأفضل حال من غيرها ، حتى تأكد الشارع المصري ، أو كثيرون جدا منه أننا بالفعل نودع البقية القليلة الباقية من ” جدعنة” المصريين ونخوتهم وشهامتهم ـ إلا من رحم الله ـ وحفظ لهم رجولتهم الحقيقية ، وليس كما يفهما الرجال ، ولا أعتقد شخصيا أنني سأنسى مشهدا من مشاهد احتضار الرجولة والشهامة التي طالت حتى المرأة المسنة ، التي يُضرب رأسها في قارعة الطريق بقبضة رجل فحل دون رحمة بها أو شفقة بسنها ، لم يدهشني الموقف قدرما أدهشني رد فعل الرجال حول هذا المشهد ، وكأن على رءوسهم الطير ، تماما كما لو كانوا يصطفون لمشاهدة مشهد سينمائي درامي ، وأيا كانت صفة هذا الرجل لهذه العجوز ، فأي حق يحق له أن ينهال عليها ضربا في الطرقات أو في غير الطرقات بهذا الشكل ، أي ثقافة جهل هذه التي تجري في عروق هؤلاء الذين لا تليق بهم رجولتهم ؟! كيف لهذا المشهد أن يُسكت عليه ، أو أن يكون معتادا ، حتى تطور بنا الحال اليوم لأن تنال يد الإرهاب النجسة من رجال الشرطة والأمن أمام المصريين في البدرشين ـ حادثة الإرهاب الأخيرة ـ دون إنسانية تتحرك أو وطنية تتدخل لإنقاذ رجال الوطن ، لن يجدي بي عدم التصديق لأن يصل الأمر لهذا الحد ؛ فهو واقع حدث بالفعل ، ولكني أرفض أن أصمت مع الصامتين ؛ لأنني لست من بني الإرهاب ، فكل صامت على الإرهاب إرهابي مشترك في أحداثه ، وانا أدين كل مصري كان في مسرح جريمة الإرهاب الأخيرة التي طالت البدرشين ، وهم يشاهدون هؤلاء عبدة الشيطان ، الذين لا ملة لهم ولا عقيدة ، وهم يتناوبون في حمل السلاح التي تم بها الحادث ، في هيئة لافتة للانتباه ، يلحظها جيدا من شاهد الموقف ، فأي شعب هذا الذي لا يُلفته مثل هذا المشهد في مثل هذه الظروف التي تمر بها بلاده ، خاصة وأن هذه التحركات كانت أمام كمين الشرطة ومحيطها، أي حول أماكن استهداف الإرهاب ؟! أهو جهل الشعب ، أم الاستهتار ، أم الدماء الباردة في عروق الشرق التي لا تثور إلا في الحماقات ؟! ويصل الأمر إلى أن يمثل المجرمون بجثامين الشهداء ويشعلون بها النيران ، دون صرخة من رجل واحد ممن هم حول المشهد ، الشعب المصري الذي أبهر العالم على مر التاريخ بشهامته يذهل الجميع اليوم أيضا بجبال الثليج التي تقف شامخة في وريده ، الأمر الذي تفضحه مشاهد كثيرة عشناها ونعيشها ، حتى وإن كان من نخوة بعض الرجال ما لازال حيا ، إلا أن الحزن يصعقنا من أن يكون موت الدم الحر هو الظاهر والظاهرة التي لن ينكرها أحد يعيش الواقع بعيدا عن رفع رايات الشعارات والمثاليات ، أصبحت أشعر أننا لسنا بحاجة أبدا لمناشدة إفاقة هؤلاء من تبلدهم وغفلتهم ؛ فأعتقد أنهم في عداد الموتى بلا كفن ، ولكني أناشد أصحاب الحياة واليقظة، والبقية الباقية من الرجولة والوطنية الحقيقية في قلوب الرجال والنساء بأن تمتلئ قلوبكم بالوطن فعلا وقولا.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات