فرعون الخروج : هدف صهيونى

طلعت رضوان

  هاجمنى البعض بسبب مقال لى بعنوان ( مصريون بأدمغة عبرية ) وهذا شىء متوقع من أى مصرى يعشش فى رأسه التراث العبرى المعادى لمصر. ولو أنّ أى باحث تعامل مع هذا التراث من خلال علمىْ المصريات واللغويات  ، كما يفعل العلماء ، لأدرك أنّ البحث عن من هو فرعون الخروج ، هو هدف تنشغل به الصهيونية الدينية ، لتثبت صحة ما جاء عن وضع اليهود فى مصر القديمة ، وعن اضطهادهم ثم رغبتهم فى الخروج. ومن هنا كان استشهادى ( المُتعمد ) بالعهد القديم لأهدم هذا التصور عن الطغيان المصرى ضد بنى إسرائيل ، حيث سمح لهم الحكام المصريون بالعيش الكريم ، وهو أمر ذكره العهد القديم ، فنقرأ عن ندم بنى إسرائيل لخروجهم من مصر ، لأنهم كانوا يأكلون اللحم والسمك والبصل الخ بالمجان فى مصر، ويتمنون لو أنهم ماتوا فى مصر أو العودة إلى مصر (سفر الخروج- الإصحاحان 14، 16وسفر العدد- الإصحاحان 11، 14 ) وبالتالى طرحتُ سؤالى الذى تتغافل عنه الثقافة السائدة المتأثرة بالفكر العبرى : من الذى ظلم الآخر: المصريون أم العبريون؟ ورأيتُ أنّ أدق إجابة تأتى من العهد القديم ( وفقًا لقاعدة شهد شاهد من أهلها ) حيث نجد كتابة معادية لأبسط قواعد السلوك الإنسانى . ونجد إله العبريين يُحرّض على تدمير مصر وعلى سرقة المصريين.

ثم يدّعى أنّ المصريين قد ماتوا جميعًا ولم يبق منهم ولا واحد . ومن منطلق هذه النزعة الدموية يوزع أراضى الشعوب المستقرة، مثل الشعب المصرى والشعب الفلسطينى ، على بنى إسرائيل. وهو ما جعل العالم الكبير(فرويد) أنْ يصف إله العبريين بأنه (( كان إلهًا فظًا ومتعطشًا للدماء. وكان قد وعد أتباعه أنْ يعطيهم  أرضًا تفيض لبنًا وعسلا . وشجّعهم على أنْ يخلّصوا البلد من سكانه الحاليين بحد السيف )) ولذلك رأى مثل غيره من العلماء، أنّ القصة التى ترويها التوراة عن موسى والخروج بأنها ((أسطورة دينية)) وكتب أنّ السؤال عن من هو فرعون الخروج ((سؤال فارغ )) والسبب أنه لم يكن هناك فرعون وقت الخروج ((لأنّ الخروج حدث فى الفترة التى تخلّلت حكميْن )) ولأنه عالم يحترم لغة العلم فقد وصف الساميين بأنهم ((همج)) ووصف المصريين بأنهم ((وديعون)) رغم أنه ولد ونشأ فى أسرة يهودية .

 وإذا كان علماء المصريات (أوروبيون ومصريون) أثبتوا أنّ اليهود تجسّسوا على المصريين لصالح الغزاة، فإن الحاكم (= الفرعون وفق التعبير العبرى) الذى طردهم من مصر، هو حاكم عظيم يستحق التقدير من أحفاده ، وليس السب والاحتقار كما يفعل العبريون من المصريين . إنّ أمنحتب الثالث الذى يراه البعض بأنه فرعون الخروج (أى الحاكم الذى طغى ضد اليهود) هو لدى علماء المصريات مثل د. محمد إبراهيم بكر، فرنسوا دوما ، مرجريت مرى وآخرين  وما ورد فى معاجم الحضارة المصرية ، يستحق كل الاحترام ، وهو كما وصفه برستد فى كتابــــــه ( تاريخ مصر) بأنه (( الملك المجيد )) لأنه (( أظهر مقدرة عظيمة فى إدارة شئون الامبراطورية )) وهناك إجماع لدى علماء المصريات بأنّ الامبراطورية المصرية بلغتْ فى عهده أوج مجدها . وبلغ تواضعه إلى درجة زواجه من فتاة من عامة الشعب، أى ليست من الدم الملكى والتى عرفها التاريخ باسم الملكة ( تى )   

  وإذا كان البعض يرى أنّ أمنحتب الثالث هو فرعون الخروج ، فكيف يستقيم هذا مع لوحة مرنبتاح الشهيرة التى ذكرها علماء المصريات والمنقوش عليها هذه الجملة بالغة الدلالة ((دُمرت إسرائيل ولم يعد لبذرتها وجود )) خاصة لو علمنا أنّ حكم أمنحتب الثالث ينتهى عام 1353 ق. م فى حين أن حكم مرنبتاح ينتهى عام 1214 ق. م ، أى بفارق 139 سنة ؟

 أما عن سبب الخروج كما يراه العالم الكبير(موسكاتى) فى كتابه ( الحضارات السامية ) فهو الرغبة فى الاحتفال بالفصح فى الصحراء. وفسّرت بعض أحكام العلة (أى أحكام الفصح) ببعض أحكام المعلول (أى أحداث الخروج)

 ويرى البعض أنّ أخناتون هو أخ غير شقيق أصغر لموسى. والسؤال الذى لم تطرحه الثقافة السائدة المتأثرة بالتراث العبرى هو: كيف يكون أخناتون وموسى أخويْن ، والأول ابن حضارة زراعية والثانى من الرعاة؟ استشهد الباحث بالقرآن فى بحث لا علاقة له بأية مرجعية دينية، ومع ذلك يتغافل عما ورد فى سورة القصص عن موسى حيث ذكرت الآية الكريمة رقم 15 ((ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد رجليْن يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه)) وذكر الإمام أبو جعفر الطبرى أنّ موسى عندما دخل المدينة وجد رجليْن يقتتلان ، أحدهما من شيعة موسى ، أى من بنى إسرائيل ، والآخر من القبط (تاريخ الطبرى ج 1 ص 275 – 279) أى أنّ موسى قاتل باعتراف القرآن والعهد القديم .   

ويقول الباحث أنّ فكرة أخناتون عن الوحدانية ترسّخت فى ذهنه من خلال تربيته وتأثره بأفكار موسى. وهنا أيضًا يتغافل الباحث ما ذكره علماء مصريات كثيرون من أنّ المزمور رقم 104 منقول عن نشيد أخناتون. وأنّ برستد نقل للقارىء النصيْن فى كتابه (فجرالضمير) ص 302 ، 303 . كما أنّ علماء مصريات كثيرين عقدوا مقارنة بين الأتونية واليهودية، أوضحوا فيها التشابهات والاختلافات. فنجد أنّ أخناتون (رغم دعوته الجديدة) لم ينس (رع) ويعتبر نفسه ((ابن رع العائش فى الصدق)) وفى المقارنة التى عقدها المفكر السورى الكبير فراس السواح بين الديانتيْن كتب ((تـُصر الديانتان ولأول مرة فى التاريخ على وحدانية الإله. إلاّ أنّ وحدانية أخناتون أعم وأشمل ، لأنه يرى آتون إلهًا للأمم كلها ، بينما بقيت اليهودية فترة طويلة من تاريخها على الاعتقاد بيهوه إلهًا للشعب اليهودى ، يتجلى فى المعارك والانتصارات ، لا كما يتجلى آتون فى الأزهار والأشجار وجميع أشكال النماء والحياة )) وكتب أنّ ديانة أخناتون قامت فى مصر ثم تبعتها ديانة موسى فى سوريا (مغامرة العقل الأولى من ص 127 – 133)

كنت أظن أنّ الباحث يعرف بديهيات الكتابة، إذْ عندما أقول مرجعية دينية، فهى تنطبق على العهديْن القديم والجديد والقرآن ، خاصة وأنّ العرض الذى كتبه (الباحث) جاء به العديد من الآيات القرآنية، ومن بينها آية ((ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون )) وكنت أظن أنّ الباحث يُدرك ما بين العهد القديم والقرآن من متشابهات كثيرة فيما يخص مصر القديمة. وحيث أنّ بنى إسرائيل المعاصرين يتمسكون بما جاء فى سورة الشعراء الآية رقم 52 ((وأوحينا إلى موسى أنْ أسر بعبادى)) إلى الآية رقم 59 ((كذلك وأورثناها بنى إسرائيل)) ومازالوا حتى الآن يطمعون فى الاستيلاء على مصر(الحضارة والوطن) لذلك كان استشهادى بالعهد القديم لأهدم مشروعهم القائم على الاغتصاب ، والتأكيد على أنّ الصراع مازال قائمًا بين الحضارة والبداوة ، بين الزراع والرعاة ، وهو الصراع الذى أرجو أنْ ينتبه إليه شعبنا ، حتى يتم نزع كل ما هو عبرى من رؤوس المتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة والمنحطة.

                                                ***

 

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات