التضامن لحقوق الإنسان: وضع حقوق الإنسان في ليبيا من سيء إلى الأسوأ

يحتفل العالم بيوم حقوق الإنسان في 10 ديسمبر من كل عام. تطلق مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان حملة تمتدّ على سنة كاملة احتفالاً بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويحتفل فيه هذه السنة في 10 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023. وتسلّط الحملة التي تمتدّ على عام كامل الضوء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال التركيز على إرثه وأهميته والنشاط النضالي المنجَز ضمن إطاره عبر استخدام شعار “الكرامة والحرية والعدالة للجميع”.

وفي ليبيا تمر هذه الذكرى ولم يتغير الكثير من وضع حقوق الإنسان بل تتحول من سيئ إلى الأسوأ في ظل عدم اكتراث السلطات المتعاقبة وفي بعض الأحيان تورطها في هذه الإنتهاكات التضامن وثقت ورصدت هذه ا السنة 2022 العديد من الإنتهكات الجسيمة.

> منظمات المجتمع المدني

تعرضت مؤسسات المجتمع المدني الي حملة تشويه من قبل مفوضية المجتمع المدني التي اصدرت لوائح تنظيمة سمتها لوائح تنظيمية ولكن في حقيقة الحال هي لوائح بتنظيم منظمات المجتمع المدني والرقابة عليها.وليست لوائح تنظيم عملها ولازالت قوانين تعسفية من حقبة النظام السابق، مثل القانون رقم (19)[i]  لسنة 2001 “بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية” ومواد في القانون الجنائي الليبي[ii]، سارية وتشكل تهديد لحق التجمع السلمي .

السجون والإعتقال التعسفي والإختفاء القسري [iii]

لايزال الآلاف من المعتقلين محتجزين في عدة مراكز مختلفة في جميع أنحاء ليبيا في ظروف غير إنسانية. وتفتقر هذه المراكز إلى المرافق الصحية والتهوية والمياه النظيفة. كما أن في كثير من الأحيان يتم اعتقالهم اعتقالا مطول ولا يحصلون على حقوقهم الأساسية كما في حالات كثيرة تتعمد المليشيات القائمة على هذه المعتقلات عدم عرض المعتقلين على النيابة خوفا من صدور أحكام البرأءة وحين صدور مثل هذه الأحكام لا يتم الالتزام بها. ولقد حذرت التضامن السلطات الليبية من مغبة عدم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما يحدث في السجون ومراكز الاعتقال[iv].

> التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية [v]

بالرغم من انضمام ليبيا[vi]  إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وصدور قانون[vii] يجرم التعذيب، ولكن بسبب انتشار السلاح والمليشيات المسلحة والانقسام السياسي، لازالت جريمة التعذيب في ليبيا منتشرة على نطاق واسع في السجون ومراكز الاعتقال التي تديرها وتشرف عليها أجهزة تتبع حكومة الوحدة الوطنية[viii]، وفي مقار المليشيات المسلحة وعصابات الإتجار بالبشر، والتي هي خارج سلطة الحكومة.

وقد وثقت منظمات محلية[ix]  ودولية[x] [xi]  في تقاريرها التعذيب في مراكز الاعتقال. وقد وثقت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا[xii]  في تقريرها[xiii]  إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، خلال الدورة الاعتيادية (48) “استخدام العنف الممنهج على نطاق واسع” ضد المعتقلين في الكثير من السجون في ليبيا من “قبل الدولة و/أو الجماعات المسلحةxiv]

> العنف ضد المرأة [xv]

عالميا يعد العنف ضد المرأة واحدا من أكثر انتهكات حقوق الإنسان وانتشارا واستمرار ولم تسلم المرأة والفتاة الليبية أن تكون من ضمن من يتعرضن لمثل هذه الإنتنهاكات الجسيمة؛ سببها عدم الاستقرار السياسي وضعف الأجهزة الأمنية وتغول الميشيات المسلحة والملاحظ في هذه السنة تفاقم حالات جرائم القتل الأسري في ليبيا بشكل كبير. فقد سُجلت في ليبيا نحو 7 جرائم قتل أسري خلال 15 يوما فقط، وكان ذلك في شهر يوليو من هذا العام[xvi]

> حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء[xvii]

يعاني المهاجرين و وطالبي اللجوء العديد من المشاكل والانتهاك لحقوقهم ويتعرضون للأبتزاز من قبل الجهات المسوؤلة عن مراكز الاحتجاز وتقوم السلطات من فينة لأخرى بحملات اعتقال واسعة عنيفة على أماكن سكن العمال والمهاجرين ففي يناير 2021 اعتقلت قوة تابعة لجهاز مكافحة الهجرة مئات من اللاجئين من امام “المركز المجتمعي النهاري” التابع للمفوضية NUNHCR (المفوضية السامية) وأودعتهم مراكز الاحتجاز ولا زال مصير الكثير منهم مجهول لغاية الان, كما أكد مكتب المفوض السامي [1] أنّ انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان المتفشية والنظامية المُرتَكَبة بحقّ المهاجرين في ليبيا تتفاقم بسبب الافتقار إلى مسارات آمنة داخل البلدان وخارجها، ما يعني أن المهاجرين غالبًا ما يُجبرون على قبول “المساعدة” والعودة إلى بلدانهم الأصلية في ظلّ شروط قد لا تتوافق مع قوانين حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية.

> معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولاحترام كرامة الضحايا

للكشف عن الحقيقة دور هام في انهاء الإفلات من العقاب فضلا عن تحذير الآخرين من أنّ الانتهاكات المرتكبة لا يمكن أن تبقى طويلا في الخفاء، في ليبيا لا تزال الغالبية العظمى من الانتهاكات الجسيمة في تمر بدون أي تحقيقات، والذي ربما تسبب في تنامي الانتهاكات، مما يضع كل هذه “الحكومات”، التي حكمت أو لازالت تتصارع على الحكم في ليبيا، في موقع التفريط الذريع في القيام بواجبها في حماية سكان ليبيا، مواطنين ووافدين.

> القضاء وجهات انفاذ القانون[xviii]

منظمات محلية ودولية أبدت قلقها من تأكيدات الجهات القضائية و انفاذ القانون الليبية بمن فيهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء السابق[xix]، والنائب العام[xx]، ووزيرة العدل[xxi] –  بأن الادعاء الوطني والقضاء الوطني لديه القدرة على التحقيق في الجرائم الخطيرة ومقاضاة مرتكبيها. هذه التصريحات تأتي مناقضة للواقع في ليبيا. الواقع في ليبيا أن أغلب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ من القتل، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والاغتصاب، والاختفاء القسري، تُرتكب في إفلات تام من العقاب.

 قال فولكر تورك، مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان “تشكّل الذكرى السنوية المقبلة هذه فرصةً لنا كي نتذكّر الإجماع المتوخى من الإعلان، ونعيد ضبط هيكل حقوق الإنسان الرائع الذي بنيناه معًا.” ودعى الجميع للقيام والعمل من أجل هذا الهدف وما أحوجنا لأن نقوم ونعمل من أجل انهاء هذه الانتهاكات الجسيمة والمساهمة في بناء دولة القانون التي من خلالها تصان كرامة الإنسان و المحافظة على الحرية وتضمن العدالة للجميع.

منظمة التضامن لحقوق الإنسان

طرابلس – ليبيا

[1]  تقرير لمفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان

[i]  مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن: “القانون رقم (19) لسنة 2001 “شأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية.

[ii]  مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن: “قانون العقوبات الليبي”. المادة (206) “التنظيمات والتشكيلات غير المشروعة”، المادة (208) “تأسيس الجمعيات الدولية غير السياسية أو الانضمام إليها دون إذن”، والمادة (210) “عقوبات تبعية”.

[iii]  منظمة التضامن لحقوق الإنسان بيان بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2021 المساواة والدفع قُدُما بإِعمَال حقوق الإنسان

[iv]  منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “التضامن تطالب حكومة الوفاق بتحديد موقفها من انتهاكات سجن معيتيقه”، 10  أغسطس 2020.

[v]  بيان منظمة التضامن بشأن اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب

[vi]  ليبيا انضمت الى “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة”، بتاريخ 16 مايو 1989.

[vii]  سن المؤتمر الوطني العام القانون رقم (10) لسنة 2013 “في شأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز”، بتاريخ 14 أبريل 2013، الجريدة الرسمية، السنة الثانية العدد رقم 7،28  مايو 2013، صفحة 431.

[viii]  استلمت حكومة الوحدة الوطنية مقار الوزارات ومجلس الوزراء من حكومة الوفاق الوطني ومن الحكومة المؤقتة في شهر مارس الماضي. “الحكومة المؤقتة”، كان مقرها في مدينة البيضاء، شرق ليبيا، ولم تكن معترف بها دولياً، وحكومة الوفاق الوطني كان مقرها العاصمة طرابلس وكانت الحكومة المعترف بها دوليا منذ شهر ديسمبر 2015، بعد التوقيع على الاتفاق السياسي الليبي.

[ix]  منظمة التضامن وثقت عشرات الحالات التي تم العثور فيها على جثامين ضحايا عثر على جثامينهم ملقاة في شوارع فرعية وفي مكبات القمامة وعليها أثار تعذيب، بعضها قتل تحت التعذيب والبعض الآخر قتلوا خارج نطاق القضاء، بأعيرة نارية غالبا في الرأس: “جرائم الاختطاف والتعذيب والتصفية في شرق ليبيا”، 13 فبراير 2015؛ “يجب على حكومة الإنقاذ الوطني وقف الانتهاكات في طرابلس”، 15 نوفمبر 2015؛ “مديرية أمن البيضاء: قتل رهن الاعتقال”، ديسمبر 2015؛ “تواصل عمليات القتل خارج نطاق القضاء في بنغازي: خطف و قتل شاب عمره 16 سنة”، 13 ديسمبر 2015؛ “التضامن تستنكر جريمة قتل السجناء المفرج عنهم من سجن الرويمي وتعتبرها جريمة قتل خارج نطاق القضاء”،13  يونيو 2016؛ “مليشيات موالية لخليفة حفتر تقوم بأعمال تعذيب وإعدامات لمهاجرين”، 15 يوليو 2016؛ “جرائم قتل خارج نطاق القضاء تقوم بها “القوات الخاصة” الموالية لحفتر في مدينة بنغازي”،15 يوليو 2016؛ “جريمة حرب: قتل أربعة عشرة ضحية خارج نطاق القضاء”، 1 أغسطس 2016؛ “جريمة جديدة من سلسلة جرائم القتل خارج نطاق القضاء”، 13 أكتوبر 2016؛ “يجب على مكتب النائب العام التحقيق في جرائم القتل خارج نطاق القضاء ونشر نتائج التحقيقات”، فبراير 2017؛ “تواصل جرائم القتل خارج نطاق القضاء”،  مارس 2017؛ “ليبيا: بيان بشأن جريمة إعدام خارج نطاق القضاء لستة وثلاثين مواطن في منطقة الأبيار”، 30 أكتوبر 2017؛ “بيان بشأن جرائم القتل خارج نطاق القضاء في مدينة بنغازي”،31  يناير 2018؛ “ليبيا: بيان بشأن جريمة القتل خارج نطاق القضاء لثلاثة مواطنين في مدينة درنة”، فبراير 2018؛ “آن الأوان لحكومة الوفاق الوطني لتحدد موقفها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سجن معيتيقه”،10  أغسطس 2020؛ “إضراب سجينات عن الطعام في سجن معيتيقه احتجاجاً على استمرار الاعتقال بدون محاكمة”،21  يناير 2021؛ “التضامن تشارك في الحوار التفاعلي حول تقرير المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية”،15  مارس 2021.

[x]  منظمة العفو الدولية: “ليبيا: حاسِبوا قادة ميليشيا جهاز دعم الاستقرار”، مايو 2022.

[xi]  منظمة هيومن رايتس ووتش: “ليبيا: اعتقالات لسكان درنة بعد هروب مساجين”، مارس 2022.

[xii]  الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان: “البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا”.

[xiii]  الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، مكتب المفوض السامي: “ليبيا: تقرير الأمم المتحدة يستنتج ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ العام 2016″، أكتوبر 2021. مجلس حقوق الإنسان، الدورة الاعتيادية (48): “تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا”، أكتوبر 2021.

[xiv] مجلس حقوق الإنسان، الدورة الاعتيادية (48)، تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا، الفقرة (54).

[xv]  بيان منظمة التضامن لحقوق الإنسان  اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة 2022

[xvi]  سجلت مدن طرابلس وبنغازي وغريان عددًا من جرائم القتل البشعة، وثقتها عدد من المنظمات والحقوقيات الليبيات، حيث قتلت هاجر الفاخري، بالرصاص في عين زارة بمدينة طرابلس على يد شقيقها، بينما قتلت مرام إحميد من غريان برصاص ابن عمها الذي قتل والدة مرام ووالدها أيضًا، وفي بنغازي لقيت الشقيقتان ياسمينة وبشرى الطوير مصرعهما رميًا بالرصاص على يد والدهما وشقيقهما، كما فقدت سلوى ارحيم حياتها ذبحًا على يد أخيها. موقع ليبيا المستقبل:” نساء ليبيات ضحايا لنيران عائلية.. وسط صمت المجتمع وغياب الدولة” تقرير الحسين المسوري، 27 يوليو 2022.

[xvii]  منظمة التضامن لحقوق الإنسان بيان بشأن المعاملة السيئة للمهجرين  انتهاكات جسيمة لحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء يرتكبها “جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية

[xviii]  منظمة التضامن لحقوق الإنسان  المسئولية الجنائية للقادة والرؤساء عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في ليبيا

[xix]  رسالة رئيس المجلس الأعلى للقضاء إلى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية بتاريخ 14 يوليو 2021، والتي طالب فيها “المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية التأكيد على هذا الاختصاص [اختصاص القضاء الوطني الأصيل والمانع بالمحاكمة على الجرائم المرتكبة فوق الإقليم الليبي أياً كان وصف هذه الأفعال والجرائم] وعلى قدرة القضاء الوطني على المحاكمة طبقاً للقانون وأمام المحاكم الليبية“. موقع عين ليبيا الإخباري: “جمعية أسر الشهداء تستنكر مطالب كف يد الجنايات الدولية عن التحقيق في جرائم الحرب، 17  يوليو 2021.

[xx]  مكتب النائب العام – دولة ليبيا: “لقاء السيد المستشار النائب العام بالسيدة نائبة المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية”، 21  يونيو 2022. اقتباس: “وتابع تأكيد مقدرة الادعاء العام الوطني على النهوض بما يقع على عاتقه وفقاً لمقتضيات النظام القانوني الداخلي؛ وقواعد القانون الدولي للتحقيق في الجرائم الخطيرة؛ ومقاضاة مرتكبيها؛ وأن النيابة الليبية تدرك أهمية البحث عن السبل الفضلى المفضية إلى تحقيق العدالة لمصلحة الضحايا، كما تؤمن بأن لوازم تحقيق العدالة تحتّم التصدي لضروب الجرائم شديدة الخطورة التي تجسد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الإنساني الدولي”.

[xxi]  وزارة العدل – ليبيا: “بيان للرد على تهم وردت في تقارير المنظمة الدولية”،19  مايو 2022. اقتباس: “نؤكد على أننا ضد الإفلات من العقاب في حالة أثبتت التحقيقات في ذلك، إن القضاء الليبي قادر على الفصل في كل القضايا“. بيان وزارة العدل جاء رداً على تقرير منظمة العفو الدولية “ليبيا: حاسِبوا قادة ميليشيا جهاز دعم الاستقرار”، 4 مايو 2022. الملفت للنظر أن بيان وزارة العدل جاء بعد يوم من استقبال وزيرة العدل لوفد من جهاز دعم الاستقرار، “وزيرة العدل تستقبل أعضاء جهاز دعم الاستقرار”.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات