ليبيون يتساءلون عن مصير تشكيل «القوة العسكرية المشتركة»

تواصلت اجتماعات القادة العسكريين من شرق ليبيا وغربها، خلال الأشهر الماضية، وكان آخرها اللقاء الذي استضافته العاصمة الفرنسية (باريس)، يومي 17 و19 من الشهر الحالي.

وتروم هذه الاجتماعات تشكيل «قوة عسكرية مشتركة»، لكن حتى الآن لم يتمكن هؤلاء القادة من حسم مصير هذه القوة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول العوائق التي تحول دون تشكيلها.

وعلى الرغم من تأكيده أنها قد تكون «خطوة إيجابية» في مسار توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، فإن وزير الدفاع السابق، محمد محمود البرغثي، استبعد «أي إمكانية في أن تبصر هذه القوة العسكرية المشتركة النور قريباً».

وسبق أن التقى أكثر من مرة الفريق ركن عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان «الجيش الوطني»، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، نظيره الفريق أول ركن محمد الحداد، رئيس الأركان التابع لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وعدد البرغثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» العوامل، التي يستند إليها بطرحه، موضحاً أنه مع تصاعد الخلافات السياسية حول السلطة خلال الأشهر الأخيرة، ثم حول النفط وتوزيع إيراداته، ازدادت قناعة جل السياسيين بمدى قوة انعكاس تداعيات هذه الخلافات على قرارات القيادات العسكرية النظامية بالجانبين، وتحديداً رئيس الأركان التابع لـ«الوحدة» ونظيره التابع للقيادة العامة، خصوصاً بعدما ظهر واضحاً من ترسخ لتقاسم مقاليد القوى الفعلية بالبلاد بين كل من الدبيبة وحفتر.

وتحدث البرغثي عن «صعوبة انتزاع ذكرى المعارك، التي دارت رحاها بين عناصر الجانبين قبل سنوات قليلة، وتحديداً ما يعرف بـ(حرب العاصمة)، التي امتدت من أبريل (نيسان) 2019 وحتى مطلع يونيو (حزيران) 2020»، مبرزاً أن تلك الأحداث المؤلمة «لا تزال عالقة بأذهان الليبيين؛ بسبب مَن سقط خلالها من قتلى وجرحى، وتلقي بظلالها على إمكانية بناء جسور للثقة بين الجانبين».

وفي هذا السياق، أوضح البرغثي أن تشكيل أي كيان عسكري مشترك «سيواجه بالتحديات ذاتها، التي يُشار لها عند الحديث عن توحيد المؤسسة العسكرية»، مشيراً إلى عدم الحسم لمَن ستكون القيادة العسكرية، وصعوبة خضوع القيادات النظامية، صاحبة التاريخ الطويل في الخدمة العسكرية، سواء ببنغازي أو فزان أو طرابلس، لإمرة شخصيات أحدث سناً أو رتبة، أو لم تنل أي تعليم عسكري، تم دفعها لمصاف القيادة بالجانبين، فقط بفضل صلة قرابة، أو بدافع ولائها للقوى السياسية.

وفي بيان لها حول هذا الاجتماع، الذي شارك به الحداد والناظوري، وأعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)، أوضحت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، أن القيادات العسكرية الليبية ناقشت «تكوين وحدات مشتركة» لتحقيق 3 أهداف رئيسية، تتمثل في «إرساء الأمن على الحدود الليبية، والتصدي للإرهاب، والتدخلات الأجنبية المزعزعة للاستقرار».

ورجح البرغثي أن يكون «ضغط بعض القوى الدولية والإقليمية لتشكيل تلك القوة العسكرية المشتركة، هو ما يمنع مجاهرة وإقرار تلك القيادات الليبية النظامية بأن مسعى إيجاد تلك القوة في الوقت الراهن، وإن لم يكن مستحيلاً، فإنه يتطلب مزيداً من الجهد والوقت».

ووفقاً لتأكيدات بعض المراقبين للشأن الليبي، فإن تشكيل تلك القوة المشتركة ظل حبيس الاجتماعات العسكرية، دون ملامح تنذر بقرب تحققه، رغم تعدد لقاءات اللجنة العسكرية المشتركة «5 + 5».

بدوره، حمّل عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، دولاً غربية جزءاً كبيراً من المسؤولية لعدم تعبيد الطريق أمام تحقق تلك القوة المشتركة على الأرض، وذلك «لتضارب أهدافها بشأنها». ورأى التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «كل دولة لها أهدافها من وراء تشكيلها، فالولايات المتحدة تريدها لمحاربة عناصر (فاغنر الروس)، وهم مَن يشار لهم بالتدخلات الأجنبية المزعزعة للاستقرار، وإيطاليا تريدها للحيلولة دون تدفق المهاجرين غير النظاميين على السواحل الليبية، ومنها إلى سواحلها الجنوبية».

أما فرنسا، فيقول التكبالي، إنها تحاول استعادة دورها في الملف الليبي، والانطلاق من جنوب البلاد؛ لتعزيز نفوذها ببعض دول القارة السمراء، التي خسرتها أخيراً جراء توسع عناصر (فاغنر).

جانب آخر من المسؤولية التي تقع على عاتق الدول الغربية، يشير له التكبالي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، وهو «ترك كثير من القضايا الجوهرية المتعلقة بتلك القوة العسكرية دون حسم، أو توضيحها للرأي العام، مما ضاعف الشكوك حولها».

بالمقابل، ذهب أحد القيادات العسكرية المقربة من لجنة «5 + 5» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن واشنطن، ورغم حرصها على محاربة (فاغنر)، فإنها تستهدف بالدرجة الأولى تنفيذ استراتيجيتها «لمنع الصراع، وتعزيز الاستقرار في ليبيا، أو ما يعرف بـ(الخطة العشرية)، مقارنة بالاهتمام بأي أمر آخر».

وأوضح القيادي العسكري، الذي رفض ذكر اسمه، أن واشنطن وبعض حلفائها من الدول الغربية «يستنزفون الوقت على أمل إخلاء الساحة الليبية من الشخصيات ذات التأثير الفعلي، ومن ثم يطبقون أهم بنود خطتهم المعلنة في أبريل العام الماضي، بإيجاد سلطة منتخبة ومعترف بها دولياً»، متابعاً أنهم «يهدفون لإيجاد رئيس للبلاد موالٍ لهم».

الشرق الأوسط، 22/07/2023

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات