بيان رسمي :من الانبا اغاثون ردا علي الشيخ سالم عبد الجليل

 

.أصدر الانبا اغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، ورئيس رابطة خريجي الكلية الاكليريكية، بيانا مطولا يرد فيه علي تصريحات الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، والتى كفر فيها المسيحيين، وزعم ان المسيحية عقيدية فاسدة،.. والي نص البيان:
مقدمة :

أخى فضیلة الشیخ ، قبل أن أبدأ فى حدیثى مع فضیلتك ، لك منى سلام خاص من القلب ، مع كامل احترامى وتقدیرى لشخصك .

أما بعد ،، اسمح لى یا دكتور ، بأن أصارحك ، بأننى أنا وكثیرین غیرى ، داخل مصر وخارجھا ، سمعنا ورأینا فضیلتك ، فى برنامج: (( المسلمون یتساءلون )) على قناة المحور ، فى حلقة یوم الثلاثاء الموافق 9/5/2017 م ، وفى برامج أخرى ، وقنوات أخرى ، تتھم العقیدة المسیحیة بالفساد ، والمسیحیین بالكفر والضلال ، …….. وببئس المصیر لھم فى النار والعذاب الأبدى.

كل ھذه تھم وتعدیات خطیرة ، وجماعیة للدیانة المسیحیة بأكملھا ، وأتباعھا المسیحیین ، مع سبق الإصرار والعمد ، ولا وجود لھا على الإطلاق فى العقائد المسیحیة ، لذلك مرفوضة شكلاً وموضوعاً. وتحتسب أمام القانون والدستور المصرى ، جرائم ، یحاسب علیھا القانون مرتكبیھا .

ولم تقتصر خطورة ھذه التصریحات الفجة ، وھذه الروح الغریبة على مجتمعنا المصرى ،على الدیانة المسیحیة وأتباعھا فحسب ، بل تمتد آثارھا السلبیة على الدیانة الإسلامیة ، التى یؤمن بھا فضیلته، وعلى جامعة الأزھر الذى درس وتخرج فیھا ، وعلى وزارة الأوقاف ، الذى كان یعمل فیھا ، بصفته وكیلھا الأسبق ، وعلى الدستور والقانون المصرى ، اللذان شرعا حریة المعتقد أى الدیانة ، وحریة العبادة، وذلك طبقاً لمیثاق الأمم المتحدة ، الذى ینص على حریة الدیانة ، وحریة العبادة ، وأیضاً على حریة ممارسة الشعائر الدینیة .

بالإضافة إلى كل ھذه الآثار السلبیة التى ذكرناھا ، من وراء ھذه التصریحات المقصودة والمتكررة عدة مرات ، الصادرة عن رجل دین ،ومسئول فى الدین .

إنھا تعطى موافقة وتصریحا موثقا ً ً شرعیاً ، للمتشددین والإرھابیین ، وذلك فى كل أسالیب وطرق التعدى على العقائد المسیحیة ، وعلى المسیحیة كدیانة عموما ، وأیضا ً على الرموز الدینیة كقادة . بالإضافة إلى كل ذلك فى التعدى على دور العبادة ، أى الكنائس والأدیرة ، كمقدسات دینیة ، وعلى الأقباط وحرماتھم ، وأعراضھم وممتلكاتھم …. الخ .

ومع كل ذلك قد یتصور فضیلة الشیخ وأمثاله ، بأن فتاویھم وتصریحاتھم ، قاصرة فى أضرارھا على المقدسات المسیحیة ، وعلى الأقباط وحرماتھم وأعراضھم وممتلكاتھم ، بل تمتد إلى اھانة سمعة الدولة المصریة داخلیاً وخارجیاً ، الذى یترتب علیھا التأثیر السلبى على الاقتصاد المصرى ، وخاصة فى قطاع السیاحة ، والاستثمار ، مع تعرض السلم الاجتماعى للخطر ، والوحدة الوطنیة بین المواطنین ، للتكدیر والمخاطر الجمة ، التى لا یعرف عقباھا .

وكل ھذا یجعلنا أن نضع فضیلته وأمثاله ، فى مقارنة مع رجال الدین المعتدلین ، الذین یتحدثون عن الله إله جمیع البشر ، منذ خلق أبوینا الأولین آدم وحواء ، وإلى نھایة الدھور . وأن یقدموا من خبراتھم مع الله ، وحیاتھم المعاشة معه ،كل ما ھو عن الرحمة والمحبة ، وقبول الآخرین والبنیان ، بغض النظر عن جنسیات الناس ، وجنسھم وعرقھم ، ودیانتھم ومذاھبھم .

لكننا فوجئنا من فضیلتكم ، بأسلوب مختلف ومغایر ، عن ھؤلاء الشیوخ المتصفین بالفضیلة ، وذلك فى ھجومكم العنیف على عقیدتنا المسیحیة ، وعلینا نحن المسیحیین المؤمنین بھا أیضاً .

وللأسف یا فضیلة الشیخ ، لم تكن ھذه المرة ھى المرة الأولى ، بل سبق لفضیلتكم عدة مرات ، فى برامج أخرى ، وفى توقیتات مختلفة ، ھاجمت فیھا العقیدة المسیحیة والمسیحیین .

فنظراً لتكرار ھجومكم على عقیدتنا المعطاة لنا من الله السمائیة ، وعلینا كمسیحیین ، وكقادة لھذا الإیمان ، الذى نؤمن به ، ومسئولین عنه ، رأینا من الواجب والضرورة علینا ، أمام الله وضمائرنا والتاریخ والوطن ، أن نرد على فضیلتكم ، فیما اتھمتنا به ، ولا جود له على الإطلاق فى عقیدتنا المسیحیة ، التى لیست ھى ولیدة الیوم أو أمس ، بل ھى موحاه بھا لنا من الله ، منذ واحد وعشرین قرناً من الزمان .
وإلى سیادتكم ، ما ذكره سیادته ، والرد علیه :

أولاً من جھة العقیدة المسیحیة : قال فى حدیثه وتصریحاته للقناة ، ولغیرھا من القنوات ، مخاطباً الیھود والنصارى بقوله : (( الفكر الذى أنتم علیه ، والعقیدة التى أنتم علیھا ، ھى عقیدة فاسدة ، وغیر صحیحة ، ومخالفة لعقیدته الإسلامیة)) .

معللاً ذلك بقوله: (( من یقول أن الله ثالث ثلاثة ، أن عیسى ابن الله ،ھى عقیدة فاسدة وغیر صحیحة ، ومخالفة لعقیدته )) .
الجواب :

1 – یفھم من قوله ھذا ،أننا نؤمن بالشرك بالله ، كما لو كان ھناك ثالوث مكون من الله وصاحبة ، وابن أنجبه الله من صاحبة !! وھذا كنحو واضح ، تتنزه عنه المسیحیة ، ولیس ثالوث المسیحیة من ھذا النوع الوثنى ، كما ورد فى العبادات المصریة القدیمة ، فى قصة إیزیس وأوزوریس ، وابنھما الإله حورس .

2 – إن وجدت بدعة من ھذا النوع ، یحاربھا القرآن ، فالمسیحیة تحاربھا أیضاً ، ولا یمكن أن نؤمن بھذا الكفر . المسیحیة لا تؤمن بالشرك بالله ، وإنما تؤمن بالتوحید ، ولا تؤمن بثلاثة آلھة ، إنما تؤمن بإله واحد ، لا شریك له .
3- والآیات الدالة على التوحید ، فى التوراه والإنجیل ، لا تدخل تحت الحصر :

أ – منھا قوله فى سفر التثنیة لموسى النبى : (( اسمع یا إسرائیل ، الرب إلھنا رب واحد )) ( تثنیه 6 : 4 . ( وورد أیضاً فى سفر أیوب الصدیق ، ما یشیر لھذه الوحدانیة من قوله : (( أولیس صانعى فى البطن صانعه ، وقد صورنا واحد فى الرحم )) ( أیوب 31 : 15 . (

ب – من جانب آخر أشار الإنجیل ورسائل الآباء الرسل ، إلى وحدانیة الله ، فى عدة مواضع من العھد الجدید .

منھا ما جاء فى تعالیم السید المسیح عن الوحدانیة فقال : (( لیس أحد صالحاً ، إلا واحد وھو الله )) ( متى 19 : 17. (

جـ – وفى موضع آخر من العھد الجدید ، یؤكد القدیس یعقوب الرسول ، على وحدانیة الله ، التى یؤمن بھا حتى الشیاطین ، ولیس البشر فقط : (( أنت تؤمن أن الله واحد ، حسناً تفعل ،والشیاطین یؤمنون ویقشعرون )) ( یعقوب 2 : 19 ).

د – ویؤكد الكتاب المقدس ، فى الرسالة الأولى لمعلمنا بولس الرسول ، إلى أھل كورنثوس على أنه لا یوجد آلھة ،إلا إله واحد : (( لیس إله آخر ، إلا واحداً )) ( الرسالة الأولى لأھل كورنثوس 8: 4 . (
كل ھذه الآیات تدل على وحدانیة الله ، التى تؤمن بھا الیھودیة والمسیحیة .

4- وكون القرآن یقول فى : ( سورة النساء : 171 )) ( لا تقولوا ثلاثة ، انتھوا خیراً لكم ، إنما الله إله واحد سبحانه ، وأن یكون له ، ولداً له )) .

فإن المسیحیة تقول مثل ھذا أیضاً ، وإنھا ترفض التعدد والشرك با ، وتستنكر أن یكون ، ولد من صاحبة بتناسل جسدى ! . 5 – ومع ذلك قیل فى : (سورة المائدة : 73 )) . ( لقد كفر الذین قالوا أن الله ، ثالث ثلاثة ، وما من إله، إلا إله واحد )) .

فالمسیحیة تقول ھكذا أیضا ، لیس الله واحداً من ثلاثة آلھة ، لأنه لا یوجد سوى إله واحد ، لا شریك له . إن الإسلام فى كل ھذه الآیات ، إنما یحارب بدعة ، تحاربھا المسیحیة أیضاً ، وھى لیست من المسیحیة فى شئ .

6 – أما ثالوث المسیحیة ، فغیر ھذا كله ، نقول فیه : (( باسم الآب والابن والروح القدس ، الإله الواحد آمین )) ( متى 28 : 19 .

( ولم نقل عمدوھم بأسماء ، بل باسم ویعنى الله واحد : أ – وفى الرسالة الأولى لمعلمنا القدیس یوحنا اللاھوتى ، یؤكد على أن الثلاثة ھم إله واحد : (( الذین یشھدون فى السماء ، ھم ثلاثة ، الآب والكلمة والروح القدس ، وھؤلاء الثلاثة ھم واحد )) الرسالة الأولى للقدیس یوحنا الرسول ( 5 : 7 . ( ب – فا ھو جوھر إلھى واحد ، أو ذات إلھیة واحدة ، له عقل ، وله روح ، والثلاثة ھم واحد . كالنار لھا ذات ھى النار ، وتتولد منھا حرارة ، وینبثق منھا نور ، والنار بنورھا وحرارتھا ، شيء واحد . وكالإنسان ذاته وعقله وروحه ، كیان واحد .

جـ – والبنوة فى اللاھوت ، ھى كبنوة الفكر من العقل ، والعقل یلد فكراً ، ولیس له صاحبة .

د – فالمسیحیة إذاً لیست دیانة فاسدة ، أو غیر صحیحة ، كما یدعى فضیلته ، بل ھى دیانة سمائیة ، صالحة وصحیحة ، لأن فى مقدمة عقائدھا ، عقیدة الإیمان بوحدانیة الله ، التى تؤمن بھا ، وتكرز بھا للناس ، منذ واحد وعشرین قرناً من الزمان .

وخاصة أن قانون الإیمان المسیحى ، الذى یؤمن به جمیع المسیحیین ، فى العالم كله ، ویصلونه عدة مرات كل یوم ، یبدأ بعبارة : (( بالحقیقة نؤمن باله واحد )) .

7 – لذلك القرآن یأمر المسلمین ، بعدم مجادلة المسیحیین ، لأنھم أھل كتاب ، إلا بالتى ھى أحسن ، ویقر بدیانتھم ، وأنھم أھل توحید ، كما ھو فى الإسلام . وھذا ھو قوله :(( ولا تجادلوا أھل الكتاب ، إلا بالتى ھى أحسن ……… وقولوا أمنا بالذى أنزل إلینا ، وأنزل إلیكم ، وإلھنا وإلھكم واحد ….. )) ( سورة العنكبوت : 46 . )

8- ولكون الدیانة المسیحیة ، دیانة صالحة ولیست فاسدة ، وصحیحة ولیست خاطئة ، یدعو القرآن أتباعھا بأھل الكتاب ، المؤمنین با والیوم الآخر ، ویقدمون العبادة له ، ویعملون الخیر ، وینھون عن المنكر ، ومن الصالحین .

ویتضح لنا ھذا كله من قوله : (( من أھل الكتاب ، أمة قائمة ، یتلون آیات الله ، ءانآء اللیل وھم یسجدون .

یؤمنون بالله، والیوم الآخر ، ویأمرون بالمعروف ، وینھون عن المنكر ، ویسارعون فى الخیرات ، وأولئك من الصالحین )) ( سورة آل عمران : 113 . ( 114 وفى سورة القصص ، یشھد القرآن لنا كمسیحیین ، بأننا أھل كتاب ، ومؤمنین بالله: (( الذین أتیناھم الكتاب من قبله ، ھم به یؤمنون )) ( سورة القصص : 52 .( ولم یكتف القرآن ، بأن یصفنا بأننا أھل كتاب ، ومؤمنون با ، بل أمرنا بتقوى الله كالمسلمین .

وإلیك شھاداته : (( ولقد وصینا الذین أتوا الكتاب من قبلكم وإیاكم ، أن اتقوا الله )) ( سورة النساء : 131 فواضح من شھادة القرآن ، فى كل ھذه الآیات ، بأننا أھل كتاب ، ومؤمنون بالله والیوم الآخر ، نقدم العبادة له ، ونعمل الخیر ، وننھى عن المنكر ، ومن الصالحین .

إذاً الدیانة المسیحیة ، دیانة صالحة وصحیحة ، بكل ما أتت به من عقائد إیمانیة ، ولھا تأثیرھا الإیجابى ،فى حیاة المؤمنین بھا ، كما ھو واضح من شھادات القرآن الكریم لذلك .

9- ونظراً لأن القرآن ، شھد للمسیحیین بأنھم أھل كتاب ، فوضعھم فى مركز الإفتاء فى الدین ، فقال : (( فإن كنت فى شك مما أنزلنا إلیك ، فاسأل الذین یقرءون الكتاب من قبلك )) ( سورة یونس : 94 . ( وفى موضع آخر من القرآن ، یشھد لھذه الحقیقة : (( وما أرسلنا قبلك ، إلا رجالاً ، ُنوحى إلیھم ، فسئلوا أھل الذكر ، إن كنتم لا تعلمون )) ( سورة الأنبیاء : 7 . )

10 – من جانب آخر یشھد القرآن للمسیح ، بأنه أنزل علیه الإنجیل ، وله الدیانة المسیحیة ، التى تأثیرھا واضح على حیاة المؤمنین به ، لذلك أصبح فى قلوبھم الرأفة والرحمة : (( وقفینا بعیسى ابن مریم ، واتیناه الإنجیل ، وجعلنا فى قلوب الذین اتبعوه ، رأفة ورحمة )) ( سورة الحدید : 27 .)

11 – وفى سورة المائدة ، یشیر القرآن ، إلى أربع فئات من الناس ، فیذكر المسلمین ، ویسمیھم المؤمنین ، والیھود ، والمشركین ، والنصارى ، فیصف علاقة الیھود والمشركین بالمسلمین ، بأنھا أشد عداوة ، أما عن علاقة المسیحیین أى النصارى بالمسلمین ، فیصفھا بأنھا أكثر مودة :(( لتجدن أشد الناس عداوة ، للذین أمنوا الیھود ، والذین أشركوا ، ولتجدن أقربھم مودة للذین آمنوا ، الذین قالوا إنا نصارى ، وذلك بأن منھم قسیسین ورھباناً ، وأنھم لا یستكبرون )) ( سورة المائدة : 82 . )

12 -إن التمییز والفصل بین النصارى والمشركین ، أمر واضح جداً ، فى القرآن ، ولا یقتصر على النص السابق بل یذكر : (( إن الذین أمنوا ، والذین ھادوا ، والصابئین ، والنصارى ، والمجوس، والذین أشركوا ، إن الله یفصل بینھم یوم القیامة ، إن الله على كل شىء شھید )) ( سورة الحج : 17 .)

13 – سؤال وھو : ھل بعد كل ھذه الأدلة القرآنیة والبراھین ، التى تشیر وتؤكد ، على صحة معتقدات الدیانة المسیحیة ، یدعى فضیلة الشیخ ،على أنھا دیانة فاسدة ، وغیر صحیحة ،وتتعارض مع الإسلام؟! .
الجواب :

أ – لا یجب أن یستمر فضیلته وأمثاله ، بالھجوم على العقیدة المسیحیة ، واتھامھم إیاھا بالفساد وعدم الصلاحیة ، لأن ھناك أدلة وبراھین قرآنیة تشھد لھا ولصحة وصلاحیة معتقداتھا الإیمانیة .

ب – كما أن تعالیم المسیحیة ، التى أعطاھا الله لنا ، ومسجلة فى الكتاب المقدس بعھدیه ، تشھد على أن المسیحیة دیانة سماویة ، مقدسة صالحة وصحیحة ، تدعو الناس وتقودھم إلى الإیمان با الواحد ، والى عبادته الحقیقیة لا الشكلیة ، وذلك بواسطة الإیمان به ، والتوبة والرجوع إلیه، وبتطبیق وصایاه الإلھیة فى حیاتھم ، مع تقدیم صلواتھم وأصوامھم ، وفعل الخیر للجمیع ، ومع الجمیع ، مادام فى الإمكان .

جـ – كما أن من ثمار المسیحیة فى حیاتنا ، ھى قبول الآخرین ، واحترامھم ، بغض النظر عن جنسیاتھم وجنسھم وعرقھم ، ودیاناتھم ومذاھبھم ، ولا تسمح لنا بالتعدى على معتقدات الآخرین ، أو على حریاتھم وحرماتھم وأعراضھم وممتلكاتھم ….. الخ . بل تأمرنا بتقدیم كل محبة وخیر، وتقدیر وإخاء لھم ، على الدوام .

د – مع التمسك بالمعتقدات الإیمانیة المشتركة بیننا ، وما أكثرھا ، وھى التى تجمعنا ولا تفرقنا ، وتوحدنا ولا تفرقنا أو تقسمنا ، مثال الاتفاق على وحدانیة الله وصفاته وأعماله الإلھیة خلق الخلیقة الحریة وأنواعھا ومفاھیمھا .

المعتقدات الإیمانیة لدینا جمیعاً مثال : الخیر والشر ، الفضیلة والرذیلة ، الخطیة والتوبة ، الثواب والعقاب ، أدوار الدین الایجابیة لا السلبیة ، البناءة لا الھدامة ، السمو والرقى بالبشریة ، لا إلى تخلفھا وانحدارھا ، من أبسط القواعد الإنسانیة الخلاقة المتنوعة الحیاة والموت بكل أنواعھما ، القیامة العامة لجمیع البشر فى أواخر الأیام ، الدینونة ، المصیر الأبدي للناس بعد الدینونة . فالتمسك بكل ھذه المعتقدات الإیمانیة وأمثالھا ، التى نؤمن بھا جمیعاً ، ھى واجبة علینا جمیعاً ، لأنھا تعمل على وحدتنا ، وبناء أوطاننا ، واستمراریة محبتنا وأخوتنا بعضنا لبعض .

ھـ – أما عن الجوانب الإیمانیة العقائدیة ، التى نختلف حولھا ، فلیتمسك ، ویحافظ كل واحد منا علیھا ، ویحترم كل طرف الآخر من جھة معتقده .

وھذا الاختلاف لا یبرر ولا یعطى لطرف ، الحق فى مھاجمة معتقدات الطرف الآخر . ولا ننصب أنفسنا حكاماً بدلاً من الله ، فى الحكم على معتقدات الناس ، على أنھا سمائیة أو أرضیة ، صالحة أو فاسدة ، صحیحة أو باطلة . فلنترك یا إخوتى ، الحكم على معتقداتنا الإیمانیة وحده ، لأنه ھو الوحید الذى له الحق على الفصل فیھا ، ولا أحد سواه !!

ثانیاً – یتھمنا الدكتور سالم ، بالكفر والظلم والضلال : جاء فى تصریحاته قوله: (( من آمنوا ، وبعده كفروا ، ثم ازدادوا كفراً ، واستمروا فى الكفر ، ھؤلاء لم یفكروا فى التوبة ……… ولن یتعرضوا لرحمة الله ، لأنھم لم یعملوا بالشروط الواجبة للتوبة )) .

ویكمل سیادته فى حدیثه ، ویعلن بأن : (( الكفرة ، ھم الیھود والنصارى . وأن الشیوخ القائلین : للمسیحیین والیھود أنھم مؤمنون ، ضللوھم ولم یخدموھم )) الرد على كل ھذه الاتھامات ، الموجھة ضدنا ، والتى لا صحة لھا على الإطلاق ، ومرفوضة شكلاً وموضوعاً !!

1 – سؤال : ما ھو مفھوم الكفر فى المسیحیة ؟ ! الجواب : أ – مفھوم الكفر فى المسیحیة ، ھو عمل موجه ضد الإیمان ، لأنه كفر با . والكفر ھو أیضاً ضد الشكر ( أى جحود النعمة ) . فالكافر ھو من ینكر وجود الله ، وینكر أن یكون الله أصلاً للوجود ، وخالقاً للعالم .

وھو أیضاً من ینكر نعم الله على البشر ، سواء خیراته اللازمة لأجسادھم من أجل حیاتھم الزمنیة ، أو اللازمة لأرواحھم من أجل حیاتھم الأبدیة .

ب – ونحن المسیحیین ، نؤمن بأن الله خالقنا : (( یارب أنت أبونا ، نحن الطین ، وأنت جابلنا ، وكلنا عمل یدیك )) ( أشعیاء 64 : 8 . ( وأنه خالق السموات والأرض : (( أقول یا إلھى …… من قدم ، أسست الأرض السموات ، ھى عمل یدیك )) ( مزمور 102 : 24 25 . ( وأن كل ما نتمتع به من خیرات أرضیة ، ھى من عنده : (( أبوكم الذى فى السموات ، یھب خیرات للذین یسألونه )) ( متى 7 : 11 . ( كما أنه قدم لنا عطایا روحیة فائقة ، لأجل حیاتنا الأبدیة : (( مبارك الله …… الذى باركنا بكل بركة روحیة فى السماویات ، فى المسیح )) ( أفسس 1 : 3 . ( وفى ھذه العطایا الروحیة ، ظھرت لنا محبته الحقیقیة ، التى میزنا بھا عن كل الخلائق .

جـ – فإن كان ھذا ھو إیماننا با ، واعترافنا به ، بأنه خالقنا ، ورازقنا بخیرات الدنیا والآخرة ، فنحن إذاً لسنا كفرة . وكونك تدعونا كفرة ، لأننا مختلفون عنك فى دینك ، فھل تقبل أن ندعوك ، أنت كافراً ، لأنك مختلف عنا فى دینك ؟ ! وإن كان الجواب لا ، فلماذا تكفرنا ؟ ! وھل من الحكمة ، أن یتبادل الناس اتھام بعضھم البعض بالكفر ، بسبب اختلافھم فى عقائدھم ؟ !

د – إن التعبیر العاقل الذى یقال : إننا مختلفان فى الدین ، ولسنا كافرین . ولیت كل واحد منا ، یحترم دیانة وعقیدة الآخر ، ونبعد عن الحقد والضغینة ، التى تھدم المجتمع ولا تبنیه ، وتفرق أبناء الوطن الواحد ولا تجمعھم ، وتقسمھم ولا توحدھم ، وتضعفھم ولا تقویھم .

2 – ولنرجع إلى تصریحات فضیلته التى جاء فیھا : (( من آمنوا وبعده كفروا ، ثم ازدادوا كفراً ، واستمروا فى الكفر )) . ویكمل فضیلته تصریحاته ویعلن بأن : (( الكفرة ھم الیھود والنصارى ، وأن الشیوخ القائلین : للمسیحیین والیھود أنھم مؤمنون ، ضللوھم ، ولم یخدموھم )) .
الجواب :

لإدعاء فضیلته ھذا ، مفھومان وھما :

أ- المفھوم الأول ، وقد ُ َ یفھم منه ، بأن كل من آمن من الیھود بالیھودیة ، والمسیحیین بالمسیحیة ، مطالب أن یؤمن بالإسلام . وكیف یعقل ھذا ؟! لأن القرآن أقر بأن الیھودیة دیانة سمائیة ، والمسیحیة أیضاً دیانة سمائیة ، وكل من أتباعھما بأنھما أھل كتاب ، ولھم عقائدھم الإیمانیة ، ویعملون الخیر ، وینھون عن المنكر ، ویؤمنون با والیوم الأخر ، ولا خوف علیھم ولا ھم یحزنون . فھل الله بعد أن یعطى دیانة ویشرعھا ، یقوم بإلغائھا بعد ذلك ؟! ھذا غیر منطقى وغیر معقول. والدلیل أن الیھود ، باقون كیھود ، یؤمنون بدیانتھم ، وكذلك المسیحیین ، باقون كمسیحیین یؤمنون بدیانتھم .

ب- والمفھوم الثانى یفھم منه بأننا كمسیحیین ومعنا الیھود ، بأننا آمنا بالإسلام كدین ، وكفرنا به ، ثم آمنا بالمسیحیة ، والیھود آمنوا بالیھودیة ، وباستمرار كل واحد منا ، فى دیانته المسیحیة والیھودیة، ازددنا كفراً بالإسلام ، واستمرینا فى الكفر، وذلك بعدم رجوعنا إلى الإسلام من المسیحیة والیھودیة. فى الحقیقة ھذا المفھوم ، ھو مفھوم خاطئ وغیر صحیح ، لأن الدیانة الیھودیة كدیانة ، كانت تسبق الدیانة الإسلامیة ، بفترات زمنیة كبیرة ، وذلك بدءاً من إبراھیم أب الآباء ، ثم إسحق ، ثم یعقوب أى إسرائیل .

وكذلك الدیانة المسیحیة كدیانة ، كانت تسبق الدیانة الإسلامیة ، بأكثر من نصف قرن من الزمان ، وذلك بدءاً من میلاد السید المسیح ، فى بیت لحم الیھودیة . فكیف یقال عن الیھود والمسیحیین ، أنھم آمنوا بالإسلام ثم كفروا به ، وارتدوا عنه ، وآمنوا بالیھودیة والمسیحیة، فازدادوا كفراً ، واستمروا فى الكفر ، وذلك لعدم إنكارھم لدیاناتھم ، ورجوعھم للإسلام . ھذا المفھوم تاریخیا خطأ ، ومنطقیاً أیضاً خطأ ، لأن الیھود والمسیحیین ، من وقت أن آمنوا بدیانتھما ، منذ أجدادھم ، وھم كما ھم ، متمسك كل منھما بدیانته ، باستثناء من آمنوا بالمسیحیة من الیھود والأمم ، أو من ارتدوا عن الیھودیة والمسیحیة ، وآمنوا بالإسلام ، بالإضافة إلى الذین دخلوا إلیه من الوثنیین .

3 – شھادة القرآن للمسیحیین ، بأنھم مؤمنون با وأھل كتاب ، ولیسوا كفاراً :

أ – لذلك ذكر لنا القرآن ، فریقین من الناس وھما : الفر يق الأول ، وھم المؤمنون بالمسیح ، والفریق الثانى ، ھم غیر المؤمنین به ، ودعاھم بالكفار . وفصل بینھما بأمرین ، وھما : الأمر الأول ھو طھارة المسیح ، من الكفار .

والأمر الثانى ، ھو رفعة المسیحیین على الكفار ، إلى یوم القیامة . وھذا واضح ، من شھاداته ، فى سورة آل عمران : (( إذ قال الله یا عیسى ، إنى متوفیك ورافعك إلى ، ومطھرك من الذین كفروا ، وجاعل الذین اتبعوك ، فوق الذین كفروا ، إلى یوم القیامة )) ( سورة آل عمران :55 . )

ب – وفى جانب آخر ، أقر القرآن بحقیقة تعالیم المسیحیة ، وحض على عدم مجادلتھا ، إلا بالتى ھى أحسن ، مع التأكید على وحدانیة الله فى المسیحیة والإسلام ، وأن أتباعھما لیسوا من الكفار .

فقد جاء فى سورة العنكبوت : (( ولا تجادلوا أھل الكتاب ، إلا بالتى ھى أح سن ….. وق الوا أمن ا بالذى أنزل الینا ، وأنزل إلیكم ، وإلھنا وإلھكم واحد )) ( سورة العنكبوت : 46 . ( وفى سورة آلعمران ، یؤكد على ما سبق ، فى قوله : (( قل أمنا بالله ، وما أنزل علینا ، وما أنزل على إبراھیم وإسماعیل ، وإسحق ویعقوب والأسباط ، وما أوتى موسى وعیسى ، والنبیون من ربھم ، لا نفرق بین أحد منھم )) ( سورة آل عمران : 84 . )

جـ – وھناك حكمان یختص بھما أھل الكتاب فى القرآن ، وھما أكل طعامھم ، وزواج بناتھم . لقد ذكر القرآن الكریم ، حكمین یختص بھما أھل الكتاب ، دون سائر الأمم والملل ، یتضح به مدى عنایة الإسلام الخاصة لھما ، وھما كما یلى : فف ى الحك م الأول ، قد رسم القرآن توجیھات عدیدة ، فى شأن الذبائح فقال : (( ولا ت أكلوا مما لم یذكر اسم الله علیه ، وإنه لفسق )) ( سورة الأنعام : 121 . ( فلا یحل لمسلم أن یأكل ما ذبحه الكافر والمشرك ، فإنه میتة .

ولكن القرآن جعل أھل الكتاب ، بمثابة أھل الإسلام فى ذبائحھم وقال : (( وطعام ال ذین أت واالكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لھم )) ( سورة المائدة : 5 . ( وفى الحكم الثانى ، الذى یتعلق بالزواج بالكتابیات ، فإن القرآن قد حرم زواج المسلمین بالكافرات والمشركات ، وقال : (( لا تنكحوا المشركات ، حتى یؤمن )) ( سورة البقرة : 221 . ( ولكنه أباح الزواج بالكتابیات ، فقال جل وعلا : (( والمحصنات من الذین أوتوا الكتاب ،من قبلكم )) ( سورة المائدة : 5 . ( (( والسبب فى إباحة الزواج بالكتابیة ، بعكس الكافرة أو المشركة ، ھو أنھا تلتقى مع المسلم، فى الإیمان ببعض المبادئ الأساسیة ، من الاعتراف بالله ، والإیمان بالرسل ، وبالیوم الآخر ، وما فیه من حساب وعقاب ، فوجود نواحي الالتقاء ، وجسور الاتصال على ھذه الأسس ، یضمن توفیر حیاة زوجیة مستقیمة غالباً ، ویرجى إسلامھا ، لأنھا تؤمن بكتب الأنبیاء والرسل فى الجملة ، والحكم فى أن المسلم یتزوج بالیھودیة والنصرانیة ، دون العكس ، ھى أن الم سلم يؤمن بكل الرسل والأدیان فى أصولھا ال صحیحة ، فلا خطر منه على الزوجة فى عقیدتھا أو م شاعرھا ، أما غير المسلم ، الذى لا یؤمن بالإسلام ، فیكون ھناك خطر محقق یحمل زوجته على التأثر بدینه ، والمرأة عادة سریعه التأثر والانقیاد ، وفى زواجھا إیذاء لشعورھا وعقیدتھا )) ( الفقه الإسلامى وأدلته ( 159/ 8

د – كذلك لو كان أھل الكتاب كفرة أو مشركین ، لما أوصى النبى بقبط مصر النصارى : (( استوصوا بالقبط خیراً ، فإن لھم ذمة ورحماً )) ( الدكتور عائشة عبد الرحمن نساء النبى طبعه دار المعارف 1979 ص 236 .)

4 – عقیدة القرآن فى المسیح :

أ – وفى مقدمتھا أسماء المسیح ومعانیھا : یسمیه القرآن ( عیسى ) ، وھذا الاسم یقرب من الكلمة الیونانیة ( إی سوس ) ، أما اسم المسیح فى العبریة فھو یسوع ، ومعناه ( مخلص ) .

مع أن القرآن ذكر اسم المسیح ، إحدى عشرة مرة ، ولم یطلق ھذا اللقب على غیره . فللم سیح إذاً ثلاثة أسماء ، تأتى مجتمعة أو منفردة : (المسیح فقط – والمسیح بن مریم – والمسیح عیسى بن مریم ) ، بھذه الأسماء یعرفه القرآن فى : ( سورة النساء 170 . ( وبھذه الأسماء مجتمعة ، بشر به الملائكة أمه ( آل عمران 45 .)

فاسم المسیح یرد فى القرآن إحدى عشرة مرة على ثلاثة طرق : تارة باسم المسیح فقط ( النساء 171 ، والمائدة 75 ، والتوبة 31 ، ( وتارة باسم المسیح بن مریم ( المائدة 17 م رتین ، 75 ، 72 ، والتوبة 31 . ( أخیراً باسم المسیح عیسى بن مریم ( آل عمران 45 والن ساء 157، 171 ) ، ( ورد ھذا فى كتاب المعجم المفھرس لألفاظ القرآن الكریم ، تألیف الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقى ، تحت عنوان اسم المسیح ) .

انه ورد فى القرآن الكریم إحدى عشرة مرة ، حسب السور المذكورة بأعلاه .

ب – اسم المسیح ھذا ، كان موضع دراسة لكبار المفسرین فى الإسلام ، وقیل فى ذلك ، أنه ُسمي مسیحاً : (( لأنه ممسوح من الأوزار والآثام )) .

وأورد الإمام الفخر الرازى ، حدیثا شریفاً ، قال فیه روایة : (( سمعت الرسول یقول : (( ما من مولود من آدم ، إلا نخسه الشیطان ، حین یولد ، فیستھل صارخاً من نخسه إیاه ، إلا مریم وابنها )) . وكل ھذا ، وما سیأتى ، یدل على المركز الرفیع الذى تمتع به المسیح فى القرآن ، وفى كتب المفسرین ، وھو مركز تمیز به عن سائر البشر .

جـ – ومن ذلك ، أنه دعى كلمة الله وروح منه : وقد تكرر ھذا اللقب ، فورد في : ( س ورة آل عم ران 45 )) ( إذ قالت الملائكة یا مریم ، إن الله یبشرك بكلمة منه ، اسمه المسیح عیسى ابن مریم ، وجیهاً فى الدنیا والآخرة ومن المقربین )) .

وورد فى : ( سورة النساء : 171 )) ( إنما المسیح عیسى ابن مریم ، رسول الله وكلمته ، ألقاھا إلى مریم ، وروح منه )) .

وقد أثارت عبارة : (( كلمه الله )) تعلیقات لاھوتیه كثیرة ، لا داعى للخوض فیھا الآن ، وبخاصة لأن تسمیة المسیح بكلمة الله ، یطابق الآیة الأولى ، من الإنجیل لیوحنا الرسول ، وكذلك لأن عبارة : (( الكلمة )) وأصلھا فى الیونانیة : (( اللوجوس )) ، لھا فى الفلسفة وفى علوم اللاھوت ، معان معینة ، غیر معناھا الذى فى القاموس .

وبنفس الوضع عبارة : (( روح منه )) التى حار فى معناھا ، كبار الأئمة والمفسرین وأیاً كانت النتیجة ، فإن ھذین اللقبین ، یدلان على مركز رفیع للمسیح فى القرآن، لم یتمتع به غیره .

د – ولادته المعجزیة من عذراء : لم یقتصر الأمر على جوھره أو طبیعته ، من حیث ھو :(( كلمة الله وروح منه ، ألقاھا إلى مریم )) ، وھذا وصف ، لم یوصف به أحد من البشر ، وإنما الطریقة التى ول د بھا ، والتى شرحھا القرآن فى سورة مریم ، كانت طریقه عجیبة معجزیة ، لم یولد بھا أحد غیره من امرأة . زادھا غرابة أنه : (( یكلم الناس ، فى المھد )) ( سورة آل عمران : 46 .( الأمر الذى لم یحدث ، لأحد من قبل ولا من بعد …. أترك ھذا العجب ، لتأمل القارئ لتسبح فیه روحه.

ھـ – وأنتقل لنقطة أخرى وھى ، معجزات المسیح العجیبة : وأخص منھا مما ورد فى القرآن غیر إبراء الأكمة ، والأبرص ، وإحیاء الموتى معجزتین فوق طاقة البشر جمیعاً ، لم یقم بمثلھا أحد من الأنبیاء ، وھما : القدرة على الخلق ، وعلى معرفة الغیب .

وفى ذلك یقول القرآن ، على لسان المسیح : (( إنى أخلق لكم من الطین ، كھیئة الطیر ، فأنفخ فیه فیكون طیراً ، بإذن الله …… وأنبئكم بما تأكلون ، وما تدخرون فى بیوتكم ، وإن فى ذلك لآیة لكم ، إن كنتم مؤمنین )) ( سوره آلعمران : 49 .

( ھنا ویقف العقل ، لكى تتأمل الروح لم اذا یختص المسیح بھذه المعجزات ، التى لم یعملھا أحد ، والتى ھى عمل الله ذاته : والخلق ومعرفة الغیب !! . و – موته ورفعه إلى السماء : وقد ورد فى ذلك : (( إذ قال الله یا عیسى ، إنى متوفیك ورافعك إلي ، ومطھرك من الذین كفروا ، وجاعل الذین اتبعوك ، فوق الذین كفروا إلى یوم القیامة )) ( سورة آل عمران : 55 . ( والمسیحیة تؤمن بموت المسیح وصعوده إلى السماء .

ولكن القرآن لم ُ َیبین ، كیف ُرفع المسیح . ومتى حدث ذلك ، وبقى الأمر عجیباً … إلخ .

ز – صفات المسیح الأخرى ، الوجاھة فى الدنیا والآخره : من الصفات التى ذكرھا القرآن عن المسیح أنه : (( وجیھاً فى الدنیا والآخرة )) .

وقد شرح أئمة المفسرین ، معنى ھذا الوصف باستفاضة ، وخرجوا منه بعلو مركز المسیح ، علوا عجیباً ، وبأن فى الآخرة ، تكون له شفاعة فى الناس . كل ھذه الأدلة التى قدمناھا ببراھین عدیدة ، من التوراة والإنجیل والقرآن ، ترد على ھذه الاتھامات وأمثالھا ، التي لا صحة لھا على الإطلاق ، وتثبت صدق وصحة وسلامة رسالة المسیح، والمسیحیة ، والمسیحیین .

5 – ونرجع لما قاله ، الدكتور سالم ، عن أن المسیحیین : (( لن یتعرضوا لرحمة الله ،لأنهم لم یعملوا بالشروط الواجبة للتوبة )) .

سؤال للدكتور سالم وھو : ھل أنت الله ، كلى العلم والمعرفة والفحص ، وتعرف جمیع الناس بما فیھم المسیحیین ، بدءاً من أبینا آدم وأمنا حواء ، حتى آخر إنسان یولد على وجه الأرض ، وتعرف أیضا أفعالھم البارة والشریرة ، والتائبین منھم وغیر التائبین ؟!
الجواب :

أ – ھو بالطبع سیادتك وفضیلتك ،إنسان ولیس الله .إذاً لا تعرف جمیع البشر بما فیھم المسیحیین ، َمن ِمن الناس أفعالھم البارة أو الشریرة ، والتائبین منھم أوغیر التائبین !! ولا تعرف أیضاً

ب – إذاً یا أخى فضیلة الشیخ ، أقمت نفسك إلھاً من دون الله ، ونصبت ذاتك حكماً وخصماً على الناس وعلى أفعالھم ، بدون وجه حق ، بالرغم من أنك إنسان ، فلا یصح أن تتكلم مع الناس ، كأنك إله ولیس إنسان ، وتحكم علیھم ھكذا .

لأن الوضع الصحیح الذى نؤمن ،به جمیعاً ، أن الله ھو الله ، ولا بدیل عنه إطلاقاً من الملائكة والبشر ، فى الألوھیة والربوبیة والدینونة یوم الدین .

جـ – إذاً یا أخى فضیلة الشیخ ، كان حكمك علینا كمسیحیین ، حكما ظالماً وخاطئاً ، وبدون وجه حق ، وأحتسب علیك خطأ وتعدیاً أمام الله ، وأمام القانون .

د – ومع ذلك ، الشروط الواجبة لقبول التوبة عند الله ، تؤمن بھا المسیحیة ، وموجودة فى تعالیمھا ، ومطالب بھا كل من یؤمن بھا ، وھى : مثال الإیمان بالله والرجوع إلیه عن الخطیة والشر ، وذلك بواسطة التوبة والإقرار بالخطأ تطبیق الوصایا الإلھیة تقدیم العبادة الحقیقیة ، بواسطة الصلاة والصوم وعمل الخیر … إلخ . ومن لا یطبق ھذه الشروط الواجبة لقبول توبته أمام الله ، فلا تقبل منه ، ولا تعترف المسیحیة بتوبته ، لأنه بالرغم من أن التوبة الحقیقیة ، ھى عمل یقوم به الإنسان بینه وبین ربه ، إلا أن سلوك وأفعال الإنسان ، ھى الحكم والفاصل على توبة الإنسان أو عدم توبته ، وقبول توبته ، أو عدم قبولھا لدى الله .

ثالثاً الحكم علینا جمیعاً بالھلاك والعذاب الأبدى ، فى النار الأبدیة : وھذا یتضح من تصریحات سیادته : (( عند الحشرجة والسكرات ، لا یجدن سیدنا عیسى لینقذھم ، بل یجدن ملائكة العذاب ، والموت تقبض على أرواحھم )) .
الرد :

أ – فى الحقیقة والواقع ، أن ھذا الحكم الجماعى علینا كمسیحیین ، بالھلاك والعذاب الأبدى ، فى النار الأبدیة ، ھو حكم جائر ، یستند فیه صاحبه على أننا كفرة ومهشركون ، وقمنا سابقاً بالرد على ھذین الاتھامین ، ونرفضھما شكلاً وموضوعاً ، لأن المسیحیة تؤمن بالتوحید ، وكرزت وعلمت وإلى الآن تعلم ، بأن الله واحد ، ولا شریك له على الإطلاق ، فى الألوھیة والربوبية والسلطان ، قبل أن یأتى الإسلام ، وینادى بوحدانیة الله .

ب – ومع ذلك یشھد القرآن على عكس ما یقوله فضیلة الشیخ ، ویؤكد على ما قلناه نحن .

فی ذكر أن من یؤمن بالله والیوم الآخر ، فى كل من المسلمین ، والیھود ، والنصارى أى المسیحیین ، والصابئین ، ویعمل عملاً صالحاً ، فله أجره عند ربه، ولا خوف علیه ولا حزن .

والیك ما جاء فى سورة البقرة قوله : (( إن الذین آمنوا ( المسلمین ) والذین ھادوا ( الیھود ) ، والنصارى ( المسیحیین ) ، والصابئین ، من آمن بالله والیوم الآخر ، وعمل صالحاً ، فلھم أجرھم عند ربھم ، ولا خوف علیھم ، ولا ھم یحزن ون )) ( سورة البقرة : 62 .)

ونفس ھذه الآیة تكررت فى ( سورة المائدة : 69 . ( فواضح من ھاتین الآیتین ، اللتین وردتا بالقرآن ، بأنه لا ھلاك ولا عذاب فى النار الأبدیة ، لكل من یؤمن بالیوم الآخر ، وعمل صالحاً ، فله أجره عند ربه ، ولا خوف علیه ولا حزن .

ج ـ وفى موضع آخر ، ذكر القرآن فى سورة الحج ، ست فئات من الناس وھم : المؤمنین أى المسلمین ، والذین ھادوا أى الیھود ، والصابئین ، والنصارى أى المسیحیین ، والمجوس ، والذین أشركوا ، وفى نفس الوقت قالت الآیة ، أن الله یفصل بینھم یوم القیامة .

إذاً كون القرآن یذكر فئة المسیحیین ، وفئة المشركین ، إذاً كل منھما ، فئة غیر الأخرى ، ولم یكن الاثنان فئة واحدة ، بلفئتین ، ویفصل الله بینھما یوم القیامة .

وإلیك ھذه الآیة وما جاء بھا : (( إن الذین أمنوا ، والذین ھادوا ، والصابئین ، والنصارى ، والمجوس، والذین أشركوا ، إن الله یفصل بینھم یوم القیامة ، إن الله على كل شىء شھید )) ( سورة الحج : 17 . ( بالتالى الھلاك والعذاب الأبدى فى النار الأبدیة ، مرتبط بالشرك بالله وبالمشركین ، ولیس مرتبطاً بالمسیحیین المؤمنین ، بوحدانیته ومخافته وتقواه .

ختاماً لحدیثنا المطول ھذا ، أتركك یا أخى فضیلة الشیخ لرعایة الله ، المعتنى بكل خلیقته .

د – ونظراً لمحبة وتمسك كل واحد منا بمعتقداته الإیمانیة ، وھذه من حقه ، فعلینا أن نتمسك بالعقائد الإیمانیة المشتركة بیننا ، والتى ذكرناھا فى بدایة حدیثنا.

ھـ – أما عن الجوانب الإیمانیة التى نختلف حولھا ، فلا یعنى أن أحداً منا كافر ، لأن كل منا مؤمن بعقیدته التى یختلف فیھا مع الآخر ، ولا یجوز لأحدنا أن یكفر الطرف الآخر ، لسبب اختلافه معه فى العقیدة ، ولنترك الحكم والفصل ، فیما نختلف فیه من عقائد.

ز – لأن الذى یجمعنا حول عقائدنا ، وإنسانیتنا ووطننا مصر ، وحقوقنا وواجباتنا ، ما أكثره ، وقد لا یدخل تحت حصر ، وھذا ھو الذى یقوى روابطنا الروحیة مع الله ، ومع بعضنا البعض ، ویبنى وطننا ، ولا یعرض السلم الاجتماعى والوحدة الوطنیة للخطر .

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات