بقلم / أمل فرج
كعهد البنات حين تتفتح الأنوثة في بساتين أجوائهن ، وتولد الأحلام في مخيلتهن ، يكون فارس الأحلام هو أول الأحلام التي تلدها الفطرة في قلوبهن .. هكذا كانت هي ، إنها فتاة لم تكد تُكمل عامها الأخير بالجامعة ، حتى تقدم لخطبتها أحدهم ، الذي صادف في قلبها هواه ، و باركت الأسرتان خطبتهما ، كانت الفتاة سعيدة ، مقبلة على حياة تتعامل معها من منطلق خيالها الذي لابد أن يطابقه الواقع ـ كما تظن ـ ، وليس من خلال الواقع ؛ فقد كانت تنظر لفارسها من وحي خيالها ، أضفت عليه ملامح ما أبعدها عن حقيقته ؛ فما أبعد هذا الفارس عن أخلاق الفرسان .. بدأ أول سطر في مأساة هذه الفتاة عندما قدم لها العريس خاتم الزواج ، وكان الاتفاق على تقديم شبكة متواضعة تحترم حدود إمكانيات الشاب المكافح ، وكان المتفق عليه ليس أكثر من سوار لمعصم العروس ، ولكن تعذر الشاب ، رغم استطاعته أن يفي بإحضار أقل القليل ، الذي قنعت به الفتاة ، وأسرتها ، لم تُلقِ الفتاة بالا ، وراحت تهون على نفسها بأن عليه أن تتحمل ظروفه ؛ فهي تحبه ، كما يحبها هو ، وعليها أن تشاركه الكفاح؛ فالحياة قاسية ، لا تحتمل المزيد ، ومضت الأيام ، وأوشك العام المتفق عليه للخطبة على الانتهاء ، ولم يفِ العريس بسوار العروس ، وأصبحت تشعر الفتاة مع طول الوقت بإحراج بين همس وغمز العائلة ، فالجميع يعلم قدرته على إحضار شبكة متواضعة ، لا تزيد عن سوار لم يحدد له سعرا من أسرة الفتاة ، وترك الأمر تقديريا للشاب ، بما يتناسب وظروفه ، ولكن طال الوقت ، وزاد الغمز واللمز ؛ حتى لم تجد الفتاة بُدا من أن تشتري لنفسها سوار الزواج ، وتنسبه لخطيبها ،؛ لتحفظ ماء وجهها أمام الجميع ، وراحت تهون عن نفسها بأنه ربما يكون متعثرا ، ويخجل من مصارحتها ، وفي هذه الأثناء كان كل من الطرفين يُعدان أنفسهما ، وما اتفقا عليه من إعداد أثاث منزل الزوجية ، كما هي عادة المصريين في مشاركة الرجل في تأسيس ، وتجهيز منزلهما استعدادا للزواج ، ولكن لاحظت الفتاة وأهلها تعنت الشاب في إحضار القليل مما تم الاتفاق عليه ، ولم يتم الاتفاق على أكثر من غرفتين ، يتم تجهيزهما مناصفة بين الأسرتين ، غرفة على الشاب ، وغرفة يعدها أهل الفتاة ، أحضرت أسرة الفتاة ما كان عليها ، وأوشكت على إنهاء كل المتطلبات اللازمة ، وهو دون حراك ، راح القلق يساور الفتاة من نشوب أزمة بينه ، وبين أهلها ، وهو الحبيب الذي لا تريد فراقه ، خاصة وأن الأهل قد بدأ يثير الأمر حفيظتهم ، وأوشكوا على الغضب من إهمال الشاب ، مما زاد من مخاوف الفتاة ؛ حتى راحت تفكر كيف تتخلص من هذا المأزق ، وقد سئمت من الإلحاح عليه ، والشجار ، وفي كل مرة يتمكن من إقناع براءة الفتاة بأسباب ، فهمت مع الزمن الذي أكسبها النضج والوعي أنها كانت أسبابا واهية ، ليست أكثر من حيل لمآرب لم تفطن إليها الفتاة إلا لاحقا ، عادت الأزمة تنشب بين الفتاة و خطيبها بسبب الغرفة الملزم بإحضارها ، وضاق الخناق على الفتاة عندما بدأ يكون الأب أكثر تحفظا ، وغضبا ، استبد الخوف ، والقلق بالفتاة من معاودة الأزمة بين الشاب ، وأسرتها ، فكرت ماذا تفعل لتحل هي الأزمة ، لم يهدها تفكيرها إلا لاستلام أموال ” الجمعية ” التي تشاركت فيها مع صديقاتها ، وبالفعل كان لها ما أرادت ، وأخذت الفتاة ” تحويشة العمر القصير ” لتسد ما عجز الشاب عن سداده ، كانت ولأول مرة تبدأ فيها الفتاة بمحادثة نفسها بشأن حبيبها ، الذي أصبحت تبدو عليه ملامح قسوة الأيام ، على غير ما كان يحمل من حب ، وسعادة لمحبوبته ، التي كانت تبحر في فضاء الهوى ، لا تسعها السعادة التي جعلتها ترتفع كثيرا عن عالمنا ، وتحلق في عالم ليس على الأرض ، ولكنها اليوم لا تستطيع أن تمنع نفسها من عقد مقارنة بين ما كان عليه ، ووعوده لها ، وبين ما آل إليه ، ولكن لازالت الفتاة تحبه ، وتريد أن تذلل كل ما يقف أمامها من عقبات ، دون تفكير في أي شأن آخر ، وجاء وقت كتابة ” القايمة ” التي رفض التوقيع عليها ، ويتعجب الجميع من رفضه الإمضاء على المكتوب ، وهو ما قام بإحضاره ، دون تدليس ، أو تلاعب ، غير أن أحدا لم يعلم بأن الفتاة هي التي أحضرت الغرفة التي كان من المفترض أن يحضرها خطيبها ، ورغم ذلك رفض التوقيع قائلا: ” مش يمكن أحب أرجع حاجة ، ولا حاجة تتكسر ” ، ولم تتوقف الفتاة أمام كل هذا ، ولم تخبر أحدا بأنها هي من أحضر سوارها ، وجهز بيت العريس بكل ما تكبدت من إرهاق أعصابها ، ونفسها ، وكفاح لتقوم بدور خطيبها تجاهها ؛ ولأن الله أراد أن تعيش الفتاة مع من تنازلت بكثافة من أجله ، كان لها ما تمنت ، دون أن تثنيها تصرفاته ـ التي لا يعلم الأهل عنها شيا ـ عن الاستمرار ..
أنجبت طفلا في عامها الأول من بعد زواجهما ، وهو العام الذي اضطرت فيه للخروج للعمل ، فقد كان متعنتا معها في الإنفاق ، وقد طلب منها بوضوح أن تخرج للعمل ، وتنفق على نفسها ، وقد كان ما أراد ” فارس الأحلام ” فضلا عن جفاف معاملته الخاوية من الحنان ، والمودة ، والرحمة.. مضت الأيام ، وهي خاضعة لما قدر لها ، ليست سعيدة ، ولكنه لا مفر من أمل يخالجها كثيرا في أن ينصلح حاله ، حتى رأت في ذات مرة على هاتفه المحمول محادثات صريحة بعلاقة آثمة مع إحداهن ، جن جنونها ، وثارت ثورة عارمة ، لطمها بعدها لطمة لا تليق بضعفها ، وصدمتها ، ولم يجد جديد لديها ، فقد ظلت في منزلها ترعى صغارها ، بعد أن أنجبت الطفل الثاني في نهاية عامها الثاني من الزواج وتظل تخدم خائنها ، وقلبها يستعر بالجمر ، الذي لم يتوقف عن نفس الفتاة التي اكتشفت الزوجة المكلومة وجودها في حياة زوجها ، وهي ترى ، وتسمع بوضوح ما يقال ، ويجري بينهما ، بكل تبجح من الزوج ، ودونما مبالاة بزوجته ، وظلت تتحمل نيرانه التي يشعلها في قلبها كل يوم آلاف المرات ؛ فهي تقتنع أنه لا مفر من أن تتحمل ، وتستمر ؛ فأسرتها لن تتحملها بصغارها ، ولن يستوعبها منزل الأسرة خاصة في ظل وجود أطفال ، كما أنها تعلم أنه لن ينفق على صغاره ، وسيحاربها بهما سيفا على عنقها ، ويتخلى عن نفقتهما ..
وتتساءل : ماذا أفعل إن كان بيت أهلي لا يتحمل عودتي بصغاري ، ولم يعد لدي من المال ما يمكنني من الإنفاق على أطفالي ، أو من مقاضاة الزوج الظالم ، والحصول على نفقة للأطفال ؟ فماذا أفعل ، وأنا لا أتحمل الموت على قيد الحياة كل يوم آلاف المرات في بيت جدرانه من فرعون ؟!