تداعيات فيروس كورونا الجديد على التجارة الخارجية الصينية

قدم موقع الصين اليوم مقالا مفصلنا عن تداعيات فيرس كورونا علي التجارة الخارجية للصين وهذا ما قدمه

مع ظهور وتفشي فيروس كورونا الجديد منذ أواخر شهر يناير 2020، أصبحت مكافحة هذا الفيروس وتداعياته شغلا شاغلا لكافة القطاعات في الصين، مما ترك تأثيرات معقدة على الاقتصاد الصيني. لقد ظل الاقتصاد الصيني، في المرحلة السابقة، يعمل على تحقيق “الاستقرار في ستة مجالات”؛ وتحديدا الاستقرار في التوظيف والمال والتجارة الخارجية والاستثمار والتوقعات. ونتيجة للتأثر الكبير الناجم عن البيئة الخارجية، صار الاستقرار في التجارة الخارجية المجال الأكثر صعوبة من بين كافة المجالات الأخرى. وأمام التأثيرات السلبية التي جلبها فيروس كورونا الجديد، تواجه التجارة الخارجية الصينية تحديات جديدة في الوقت الراهن. مقارنة مع وباء “سارس” قبل 17 سنة، يبدو أن حالة الوباء الحالية لها ظاهريا تأثيرات مشابهة على التجارة الخارجية الصينية، ولكن هذه التأثيرات أكثر تعقيدا في الواقع.

تأثيرات معقدة

لاغرو أن تفشي كورونا الجديد له تأثيرات كبيرة على نمو التجارة الخارجية الصينية، مما يستلزم أن نكون مستعدين عقليا وذهنيا لذلك وأن لا نستبعد احتمال مواجهة تحديات جديدة في “استقرار التجارة الخارجية”؛ ذلك الاستقرار الذي لم يتحقق بسهولة.

أولا، من زاوية القوة الذاتية، فالمخرج الأساسي لتحويل الصين من دولة تجارية كبيرة إلى دولة تجارية قوية في المستقبل هو تغيير نمط تنمية التجارة الخارجية. بيد أن ذلك لا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، ذلك أن التجارة الخارجية الصينية في المرحلة الراهنة ما زالت في “مرحلة فراغ” تشهد تراجع الميزة التنافسية التقليدية للصين في العمالة في وقت لم تتشكل فيه بعد ميزة تنافسية جديدة للصين في التجارة الخارجية. وبعبارة أخرى، فإن “مناعة” التجارة الخارجية الصينية ضد فيروس كورونا الجديد ضعيفة نسبيا، ومن ثم فإنها تحتاج إلى رعاية أكثر دقة.

من زاوية الأطراف المنافسة، فإن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية جلب لها فوائد تنمية جبارة، ولكن مع أن الصين هي أكبر دولة تجارية في العالم حاليا، تتراجع تلك الكفاءة الحدية تدرجيا بشكل واضح، وأصبحت فيتنام وإندونيسيا وكمبوديا ودول أخرى تتمتع بمزايا تنافسية بارزة في تكاليف العمالة بشكل متزايد. صحيح أنه بفضل ما تتمتع به الصين من ظروف مناسبة، مثل السلاسل الصناعية المتكاملة وحجم اقتصادها الضخم، لا يتخلى التجار الأجانب عن منتجات “صنع في الصين” بسهولة في فترة قصيرة، ولكن من الممكن أن تنازع الصناعات الإنتاجية لتلك الدول حصة الصين في السوق الدولية، بسبب حالة انتشار الوباء في الصين.

ومن زاوية شركاء التجارة، على خلفية ازدياد صخب نزعة معارضة العولمة، تشتد الحمائية التي تمارسها بعض الاقتصادات المتقدمة التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين. إن الخلاف التجاري الصيني- الأمريكي الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية مستمر منذ نحو سنتين حتى الآن. ورغم أن الجانبين الصيني والأمريكي قد وقعا المرحلة الأولى لاتفاقية التشاور الاقتصادي والتجاري في 15 يناير عام 2020، غير أن ذلك لم يجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتخلى عن سياسة “أمريكا أولا”. وفي المرحلة الحالية، ومع تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين، فإن البعض في الولايات المتحدة الأمريكية لن يفوتوا “الفرصة الذهبية” لكبح الصين. ومؤخرا، قال ويلبور روس وزير التجارة الأمريكي بصراحة: “أعتقد أن فيروس كورونا سيساعد في الإسراع بعودة فرص العمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية.”

في فترة “سارس”، كان حجم التجارة الخارجية الصينية أقل كثيرا من حجمها حاليا، وعلى سبيل المثال فإن انخفاض حجم الصادرات والواردات في عام 2019 بنسبة 1%، يعادل انخفاضه بنسبة 475ر4% لعام 2003. ومع ذلك، وبفضل تراجع درجة اعتماد اقتصاد الصين على التجارة الخارجية من 3ر51% في عام 2003 إلى 8ر31% في عام 2019، فإن تأثير انخفاض حجم التجارة الخارجية على الاقتصاد في المرحلة الحالية أقل مما كان في فترة “سارس”.

من زاوية مستوى التنمية وزاوية الهيكل الاقتصادي، لا شك أن تفشي “سارس” من قبل و”كورونا الجديد” حاليا، له تأثيرات سلبية لا يستهان بها على تجارة الصادرات والواردات للصين. من المعروف أن تطور الصناعة الثالثة (الخدمات) يلعب دورا حاسما في حل مشكلة التوظيف في الصين. في عام 2003، احتلت القيمة المضافة للصناعة الثالثة 2ر33% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، مقارنة مع 9ر53% في عام 2019. وأصبحت الصناعة الثالثة المساهم الأكبر في نمو الاقتصادي الصيني، ومن الطبيعي أن تكون الخسارة الناجمة عن توقف العمل والإنتاج بالصناعة الثالثة بسبب فيروس كورونا الجديد، أكبر من الخسارة في عام 2003. ولكن مشاركة قطاعات صناعة الخدمات الصينية في السوق التجارية الدولية ليست كبيرة، وذلك يختلف من تجارة البضائع، فبرغم الزيادة السريعة في حجم تجارة الخدمات الصينية في السنوات الأخيرة، فإن حجم صادرات الخدمات وحجم صادرات البضائع ليسا على نفس القدر من الأهمية. وفي وضع كهذا، فيتجلى تأثير انخفاض صادرات البضائع على الاقتصاد الصيني بصورة أوضح في الصناعة الثانية، التي انخفضت نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 39% في عام 2019. لذلك، سيكون لفيروس كورونا الجديد تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الصيني، ولكن الضغوط ستتركز على صناعة الإنتاج التي لا تحتل النسبة الأكبر في الاقتصاد الوطني.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات