الروائية التشادية كوثر سالمي: الكاتبات التشاديات بالعربية ما زلن بأول المشوار

 في روايتيها “انتقام من أجل الغرام” (2016)، و”جرائم لن تغتفر” (2017)، تغوص الروائية التشادية، كوثر محمد سالمي، في قضايا مجتمعية شكلت المرأة والعشق والغرام، والسحر وجهل المجتمع وموروثه العتيد، عناصر مهمة في مضمونها وتداعياتها، كما في تشكيل السياق السردي لكاتبة تعد أول امرأة تكتب (وتُصدِر) رواية (باللغة العربية) في تشاد.
وكوثر سالمي روائية وباحثة تشادية تحمل شهادة دكتوراة السلك الثالث في القانون العام، صدرت لها أيضًا باللغة العربية مجموعة قصصية بعنوان “الجواهر الساقطة”، ولها عناوين مكتملة لم تطبع بعد: “دعوها للزمن”؛ “مركز باطنولوجيا”؛ “ساطور وسعير”؛ “جزيرة موريندار”؛ “أناف بائعة الخطط”؛ اختراعات ريما خارقة”؛ “واصطنعتك لنفسي“.

في عام 2020، أسست وتدير شركة مانديلا للنشر والإعلان في العاصمة التشادية أنجامينا. وهي رئيسة ومؤسسة مكتب أزهار للتوعية والإرشاد في أنجامينا منذ 2021. عضو في المنتدى الثقافي الأدبي والإعلامي في العاصمة التشادية منذ 2008، وعضو (مؤسس) في جمعية صناع الحياة (2010)، ونادي حواء (2021).
في عام 2022، مُنِحت جائزة التميز الأدبي الكبرى (تمنحها وزارة الثقافة في تشاد)، ومن هنا ينطلق حوارنا معها في “ضفة ثالثة” لإلقاء ضوء على الأدب المكتوب بالعربية في تشاد:

< في عام 2022، منحتك وزارة الثقافة التشادية جائزة التميز الأدبي الكبرى عن روايتك “انتقام من أجل الغرام” بعد صدور طبعتها الثانية. أي شعور يمنحه التكريم للكاتب في رأيك، لا سيما أنك أول من يفوز من الكتاب بالعربية بهذه الجائزة التي تمنحها الدولة. ومعلوم أنك أول تشادية تكتب (وتُصدِر) رواية باللغة العربية؟

عادة لا أهتم بالجوائز والمسابقات الأدبية، لأن ربي منذ بداية انطلاقتي الأدبية وهبني أسلوبًا سرديًا خاصًا بي يجعل كتاباتي تتميز عن كتابات الآخرين في الشكل. والمسابقات تلزمك اتباع نهج الفائزين السابقين بها شكلًا ومضمونًا، فتضطر إلى تقليد أساليب أخرى بما يُفقدك خاصيتك وتلقائيتك السردية. هذا فضلًا عن الأجندات الخاصة لتلك المسابقات التي ربما لا تتوافق مع اهتماماتنا الشخصية. فلم أرشح نفسي للجائزة برغبة شخصية مني، ولكن كان بتقديمٍ من بعض صديقاتي وأصدقائي، فحالفنا الحظ.

جائزة الدولة الكبرى هي أهم جائزة يحصدها الكاتب في نظري؛ لأنها تعني التخليد الرسمي لاسمه ولإنتاجه الإبداعي عندما تحتضنهما الدولة، وتحتفظ بهما باعتباره كاتبًا متميزًا ناجحًا. وبالطبع، يكون أكثر سعادة عندما يحصدها أحد أعماله بأسلوبه التلقائي المعهود. لذلك سرّتني إلى حد ما، لا سيما أن الجائزة كانت محصورة في السابق على الكُتّاب باللغة الفرنسية، لكن العام المنصرم كان عامًا منصفًا، إذْ مُنِحَتْ للمرة الأولى لقلمٍ عربي، لذلك كنتُ أرى فوزي بها ليس فوزًا شخصيًا بقدر ما هو انتصار لكل الناطقين بالعربية.

 حدثينا عن الكاتبات بالعربية في تشاد ومنجزهن. لا بد أنهن قليلات؟

عدد الكاتبات التشاديات في مجال الرواية باللغة العربية ضئيل للغاية، لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، وهن في بداية المشوار. حتى الآن، لا أعرف واحدة أصدرت أكثر من رواية واحدة غيري، ولكني على يقين بأن العدد سيزداد، والإنتاج النسائي سيصبح غزيرًا في السنوات القليلة المقبلة، إن شاء الله.

< روايتك الأولى تاريخية، والثانية اجتماعية، وثمة روايات مكتملة غير منشورة بين فكرية وفنتازية وخيالية ديستوبية.. أي فضاء سردي هو الأقرب إليك، أم إن خيطًا خفيًا غير مُتدارك هو من يقود لهذه التجريبات؟

ليس لدي فضاء سردي محدد، أنا أحب الحرية والتلقائية في كل شيء، لكن، في جميع الأحوال لا يخرج الإبداع الأدبي عن فضاءين رئيسيين لا ثالث لهما، إما أن يكون المكتوب واقعيًا تجريبيًا، وإما خياليًا افتراضيًا. والواقعي نفسه لا يصنّف كأدب ـ رواية ـ إلا إذا امتزج بشيء من الخيال، كل الألوان الروائية الفرعية الأخرى، من ثقافية وسياسية وبوليسية ويوتوبية وديستوبية… إلخ، تندرج حتمًا تحت أحد هذين الفضاءين الرئيسين، ولي مساحة في كليهما. أكتب حسبما يستدعيه موضوع الرواية، وليست لدي مواضيع معينة، أي موضوع يثير في نفسي الحماس على خوض الكتابة فيه، سأعطيه نصيبًا من وقتي وحبري وفكري.

< في عام 2020، أسست شركة مانديلا للنشر والإعلان في العاصمة أنجامينا… ما الذي تنجزه المؤسسة، وهل هي مكرسة لطباعة الكتب الأدبية؟
شركة مانديلا هي مؤسسة حديثة تقوم بطباعة وترجمة ونشر الإبداعات بجميع أصنافها الأدبية والفكرية والعلمية والدينية، وغيرها، وباللغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنكليزية. وأيضًا تنظم حفلات التوقيع، وورش التدريب، وملتقيات تلخيص الكتب، وغيرها من الأنشطة الثقافية والتوعوية.

< اتجهت لطباعة بواكيرك الروائية خارج تشاد… هل هي الرغبة في انتشار أكبر، أم بسبب غياب وهشاشة دور نشر الكتاب (بالعربية) في تشاد؟

بسبب الاثنين، معًا.

< لك روايات عدة منجزة غير مطبوعة. ما الذي يؤخر طباعتها، وهل استفدت من تجربة الروايتين على صعيد الاشتغال السردي؟

تأخير نشر مؤلفاتي في السابق كان بفعل غياب الرغبة في المجازفة بالأعمال مع دور نشر غير جديرة، وصعوبة الوصول إلى دور النشر الموثوق فيها. أما الآن، وبعد تأسيس شركة مانديلا، صرنا قادرين على نشر إبداعاتنا بأريحية، ولكن ذلك يتطلب التأني حتى تُفطَم الأعمال السابقة فتجد الجديدة الترحيب في الساحة.كتجربة ـ والحياة كلها تجارب ـ تعلمتُ من الروايتين الصادرتين كثيرًا.

< في عام 2012، تم انتخابك نائبًا لرئيس اتحاد الحقوقيين التشاديين …هذا يقودنا إلى سؤال عن وضع الاتحاد وأجندته، وعن أهم الشواغل والتطلعات الحقوقية للمرأة التشادية؟

اتحاد الحقوقيين التشاديين أسسناه عام 2012 عندما كنا خريجي كلية الحقوق ومتفرغين من المشاغل الأخرى، ومهتمين بما يدور في الساحة العامة من خروقات وتجاوزات حقوقية من المجتمع وتجاهه، لكن خبت جذوته عندما تفرق المؤسسون، ما بين موظفين موفدين إلى ولايات متباعدة، وما بين طلاب دراسات عليا منشغلين بالدراسة، وما بين مسافر مغترب، وقد عاد بعضنا كقضاة في المحاكم، ومحامون، ولم نعد إلى إيقاظ الاتحاد الهاجع حتى الآن.

< في فترات منصرمة، كتبت لصحف تشادية تصدر بالعربية، مثل “الأيام”، و”أنجامينا الجديدة”، و”الأضواء”… لماذا توقفت؟

توقُّفي عن الكتابة في الصحف كان غير إرادي. توقفت بسبب تزاحم المشاغل والأولويات الأخرى. وربما سوف أعود إليها عندما أتنفس من بعض المشاغل قليلًا.

< وكيف هي أوضاع الصحافة المقروءة بالعربية هناك؟

كان وضع الصحافة العربية جيدًا، وقيد الازدهار، في الفترة ما بين 2000 إلى الآن، لكن نلاحظ في الآونة الأخيرة مع انتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي التي منحت الجميع فسحة للتعبير عن الرأي بحرية أكثر من الصحافة الخاضعة للرقابة، بدأ الإقبال على الصحف الورقية يقلّ، إلا أن نشاطها لم ينحسر بتراجع نسبة الاقتناء، فصارت تنبض عبر صفحاتها الإلكترونية التي ضاعفت من أعداد المتابعين لها أكثر من الورقية.

< في مجموعتك “الجواهر الساقطة”، أي فضاء يلملم قصصها، وما هو وضع المشهد القصصي (المكتوب بالعربية) في تشاد؟

الجواهر الساقطة” تضم 32 قصة قصيرة. لكل قصة حدثها وموضوعها وفضاؤها، وقد يحدث أن تلتقي قصة بأخرى تحت مظلة اللون، أو الفضاء بمحض الصدفة. أما بالنسبة للمشهد، فهنالك محاولات لا بأس بها في مجال القصة، ولكن حتى الآن أعرف ثلاث مجموعات قصصية فقط نشرت بالعربية، وهي “كالصريم” للكاتب آدم يوسف، و”الجواهر الساقطة” لكوثر سالمي، و”التنازلات” لموسى شاري. ربما قد تكون هناك مجاميع غيرها لم أسمع بها… المشكلة أن الإبداعات الأدبية المكتوبة بالعربية لا تجد رواجًا وصخبًا إعلاميًا يساعدان في إشهارها لدى الجماهير، خاصة الصادرة عن الأكاديميين المخضرمين الخافضين وجوههم تواضعًا وهدوءًا، إبداعاتهم مغمورة، بخلاف الكُتّاب الشباب الساطعين الصاخبين في الساحة الأدبية. طبعًا، لا أقصد بهذا أن الأديب في حاجة لإثارة ضوضاء، ولكن عليه أن يضج لمدة من الشهور بعد الإصدار، حتى يلقى عمله شيئًا من الشهرة، ويا ليت الإعلام يدعمه.

< لك تجربة في التدريب لإكساب تقنيات كتابة القصة والرواية والحكاية… ما الذي لاحظته في هذه الورش، وإلى أي مدى يمكن لورشة كتابة أن تصنع كاتبًا؟

هذه الورش كان لها أثر إيجابي تحفيزي لدى بعض المتابعين، حسب كلامهم. لست أدري إن كان ذلك بسببي، أم بسبب عزيمة الشباب أنفسهم. رأيتُ من الذين حضروا دوراتي محاولات روائية رائعة، وسوف نراهم قريبًا يضيئون في سماء الأدب، إن شاء الله.
الورشة لا تصنع كاتبًا على الأغلب، إلا إن كان موهوبًا بالفطرة، ومفعمًا بالعزيمة. عندها، قد يجد أفكارًا يستنير بها، ويتشرّب من خبرات المدربين. هنالك من يحذو حذو أساتذته، وهنالك من يشق طريقه على ضوء تعليماتهم. في كل الأحوال، الكاتب المبتدئ في حاجة لمن يضيء له طريق الإبداع، ويصوب له تجاربه، ويرشده نحو الكتابة الصحيحة، سواء كان من ناحية الأسس السردية والتقنيات الفنية، أو اللغوية، أو الموضوعية.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات