مدارس الصفيح في ليبيا إرث قديم متهالك زادته الحروب ثقلا

يبلغ عدد مدارس الصفيح التي تنتشر في كامل التراب الليبي 358 مدرسة، يتركز عدد كبير منها في إقليم فزان، جنوب البلد، وبخاصة في منطقة وادي الشاطئ. ويقول عنها وزير الدولة لشؤون رئيس مجلس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية عادل جمعة إن أعمارها تتجاوز عشرات السنين، لافتاً إلى أن الحكومة في طرابلس “تستهدف إنشاء 1500 مدرسة”.

وسبق أن أكد جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية أن “هناك تلاميذ يدرسون في مدارس صفيح لا تتوفر فيها النوافذ أو مرافق صحية حتى”، بينما يشار إلى أن مشاريع إنشاء المدارس النموذجية متوقفة منذ عام 1991.

وأكد وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية موسى المقريف نهاية العام الماضي بدء العمل في إنشاء 150 مدرسة جديدة، موضحاً أن “الخطة الحكومية تهدف إلى إنشاء 1500 مدرسة خلال السنوات الثلاث المقبلة”.

وتداولت الصفحات الليبية على “فيسبوك” خلال الأيام القليلة الماضية فيديو للمنسق السابق لحراك “غضب فزان” (حراك يعبر عن مختلف مشكلات الجنوب وأزماته)، بشير الشيخ، الذي صور معاناة التلاميذ داخل عدد من أقسام الصفيح الملقاة في منطقة صحراوية تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب ودورات المياه والتكييف، بخاصة أن درجة الحرارة في الجنوب تفوق 45 درجة مئوية.

ووصف الشيخ هذه الظروف لـ”اندبندنت عربية” بـ”القاسية على أطفال لا تتجاوز أعمارهم السنوات العشر”.

معاناة متواصلة

وتابع المنسق السابق لحراك “غضب فزان” أن “التلميذ بمجرد دخوله أقسام الصفيح يخرج منها مببلاً بالعرق فالرطوبة داخلها عالية جداً، زد على ذلك أن المدرسين يرفضون الالتحاق بهذا النوع من المدارس بسبب ظروف التدريس التي لا تليق بدولة تحتل موقعاً متقدماً على قائمة الدول العربية المالكة للاحتياطات النفطية وتنتج ملايين براميل النفط الذي تتركز معظم حقوله بالجنوب الليبي”.

وأشار الشيخ إلى “استمرار غرق عدد من المناطق الليبية في مستنقع الأمية على غرار منطقة تادرت” على الحدود الليبية الجزائرية، حيث لا توجد مدارس ابتدائية ولا ثانوية. وأكد أن “مدارس الصفيح موجودة في ليبيا منذ السبعينيات وحتى اليوم”.

ووصفت فاطمة البركي وضع مدرسة الصفيح في تهالا بمدينة غات، حيث يدرس ابنها بـ”المأسوي”. وقالت إنه “لا يوجد بديل آخر لتعليم ابني البالغ من العمر 8 سنوات غير مدارس الصفيح التي يعد التعلم بها بمثابة العقاب الجسدي والنفسي، فحتى السجون تضم مرافق صحية، ودولتنا غير قادرة على توفير مدارس تحفظ إنسانية أطفالنا الذين يعودون إلى البيت يتصببون عرقاً بسبب تفاعل ألواح الصفيح مع العوامل الطبيعة القاسية المحيطة بها”.

وتحدثت البركي عن “أطفال يقطعون مسافة طويلة للوصول إلى مدارس الصفيح بحكم أنها السبيل الوحيد للتعلم”. وأكدت أنها “تضطر أحياناً إلى تغييب ابنها عن المدرسة بسبب الظروف الصحية التي ألمت به، فالطفل تعرض إلى نوبة صرع العام الماضي بسبب ارتفاع درجات الحرارة داخل أقسام الصفيح ولم تجد أمامها من حل سوى اللجوء إلى تثليج المياه داخل قوارير بلاستيكية حتى تكون الرفيقة الأبدية لطفلها داخل مدارس الصفيح كحل للتخفيف نوعاً ما من أعباء الحرارة على جسده الصغير”. وتساءلت عن “حق أبناء الجنوب في التنمية المكانية، بخاصة أنه منبع الثروات المنجمية للبلد”.

منافية لحقوق الإنسان

في السياق، أكد رئيس “المرصد الليبي لحقوق الإنسان” ناصر الهواري أن “وجود مدارس الصفيح حقيقة، ومخطئ من ينكر ذلك، فمدارس الصفيح لا يقصد بها المعنى الحرفي للكلمة، بل هناك مدارس متهالكة وسقفها من الخشب، وتشملها جميعاً تمسية مدارس الصفيح، وقد اعتمدت حكومة الوحدة الوطنية أخيراً استراتيجية قومية تهدف لبناء أكثر من 500 مدرسة، وكان المعيار الأول هو المناطق التي تنتشر بها مدارس الصفيح أكثر من غيرها، وفق قال رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الشهر الماضي”.

ولفت الهواري إلى أن “عدداً من المدارس دمر بفعل الحرب والقذائف، مما تسبب في تزايد مدارس الصفيح كحل لمواصلة العملية التعليمية، وهذه المدارس موجودة في عديد من المدن وليس الجنوب فقط”. وزاد أن “قضية مدارس الصفيح إرث من الحكومات السابقة ازداد ثقله مع الحروب والنزاعات المسلحة المستمرة، فمن حيث الكم فالدولة تكفل التعليم المجاني للجميع، لكن المشكلة التي تواجه ليبيا هي جودة التعليم ومراعاة الجوانب النفسية التي لا يمكن أن تكتمل إلا بتوفر بيئة تضمن حقوق الإنسان، غير المتوفرة نهائياً داخل هذه المدارس”.

وتابع الهواري أن “المرصد الليبي لحقوق الإنسان رصد نقصاً في الخدمات، ومنها افتقار هذه المدارس إلى المياه الصالحة للشرب والمعامل العلمية وأدوات الترفيه، إضافة لشكاوى الأهل من سوء معاملة بعض المدرسين للتلاميذ واستخدام الضرب كوسيلة للعقاب”.

وطالب رئيس الحكومة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في مارس (آذار) الماضي بالقضاء على مدارس الصفيح نهائياً عبر مشروع الـ500 مدرسة مع ضرورة التركيز على ثلاثة برامج في هذا المجال، أهمها الجدول الزمني للتنفيذ والقضاء على مدارس الصفيح نهائياً والمتابعة والإشراف الفني المتواصل.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات