مختار محمود يكتب: الهالوين في زمن الحرب

مختار محمود

 يحتفل العالم في 31 أكتوبر من كل عام بيوم الهالوين.

دول كثيرة مثل: الولايات المتحدة وأيرلندا وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا تحتفل بالهالوين، باعتباره يومًا ترفيهيًا مبهجًا.

وفي الهالوين تطغى بعض الطقوس الاستثنائية مثل: التزين بالأزياء التنكرية، وزيارة المعالم السياحية المسكونة وقراءة القصص المخيفة ومشاهدة أفلام الرعب.

وما بين طقوس الهالوين وبين الواقع الذي يعيشه العالم حاليًا تماسٌ كبير؛ فالأزياء التنكرية وزيارة المعالم السياحية المسكونة وقراء القصص المخيفة ومشاهدة أفلام الرعب لم تعد أشياء طارئة يومًا أو بعض يوم، بل أصبحت حقيقة وعرضًا مستمرًا على مدار الساعة.

العدوان المستمر على غزة الذي تجاوز ثلاثة أسابيع وأسقط أكثر من 20 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، كشف ولا يزال يكشف أننا في أكبر حفلة تنكرية؛ فقد سقطت الأقنعة الزائفة، وظهرت العورات واضحة.

لا شيء اسمه العالم المتحضر.

العالم المتحضر أكبر كذبة عرفها التاريخ، وصنعتها الجغرافيا، وروج لها المتنطعون، وأعلن عنها المنبطحون.

ما يسمى زورًا بالعالم الحر هو أكبر محرك وشريك وداعم للمجازر الصهيونية على أرض غزة.

العدوان على غزة أثبت أننا تعيش هالوين كبيرًا وحقيقيًا وممتدًا ومستمرًا؛ ليس بغرض إشاعة البهجة والسعادة والترفيه؛ ولكن من أجل إراقة مزيد من الدماء وإزهاق مزيد من الأرواح ودهس مزيد من القيم والمباديء الوهمية.

العدوان على غزة أكد أننا بصدد عالم هلامي واهن لا أثر فيه لمبدأ ولا قيمة أخلاقية، عالم مخادع مراوغ، ضال مضلل، زائف مزيف، كما أزال ورقة التوت عن عورات المنظمات الحقوقية العالمية التي كانت تدس أنوفها في شؤون الدول الصغيرة لأسباب مختلفة، في الوقت الذي تتعامى فيه الآن عن واحدة من أكبر المجازر الوحشية على مر التاريخ.

العدوان على غزة أسقط الأسطورة الكاذبة للكيانات الإعلامية الكبيرة التي صدعت رؤوسنا بقيم المهنية؛ إذ بدت بلا أية مهنية ولا مصداقية، وهوت إلى أدنى القاع، بل إلى ما هو أدنى من ذلك.

العدوان على غزة عكس حالة الرداءة التي تمر بها خطابات الحكام العرب وأحاديثهم الساقطة عن الوحدة والاتحاد والتوحد والتآلف؛ إذ بدت مجرد نصوص إنشائية منزوعة المبنى والمعنى والمحتوى والقيمة.

العدوان على غزة أظهر حقيقة العمائم البالية واللحى الطويلة، وأكد أن رجال الدين فقدوا قيمتهم الروحية وأن عمائمهم ولحاهم “زي الزينة ديكور”، وأنها من لزوم الحفلة التنكرية الممتدة.

نحن في هالوين حقيقي، فيه مشاهد الرعب حقيقية، والدم النازف حقيقي، والموتي حقيقيون، والخوف والرعب حقيقيان، وما سوى ذلك محض افتراء، فلا قيم ولا مباديء ولا حقوق إنسان.

الفارق الوحيد بين الهالوين والعدوان على غزة يتمثل في أن حضور الأول يتطلب ملابس وأزياء وأقنعة تنكرية، أما الثاني فلا يحتاج أقنعة ولا ملابس علوية ولا سفلية.

ألا قد شاهت الوجوه..والأمر كله مرفوع إلى القضاء الإلهي يحكم فيه بعدله وجبروته..

 

 نقلا عن الأهرام الكندى

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات