ماذا يستهدف الإرهابيون؟

بقلم / جوزيف العرقاني
يستهدف الإرهاب المتوحش، الذى تواجهه بلادنا ويواجهه العالم فى آن، تفكيك المجتمعات الموحدة وضرب قوامها الوطنى والاجتماعى ببذر بذور الكراهية والنبذ والتمييز وغياب الثقة والشعور بالتوجس من الآخر الذى يشاركنى العيش فى الوطن، أى أن يتقابل الناس فى الشوارع والأسواق دون أن يكون بينهم أى مساحة للتفاهم أو الوجدان المشترك أو الشعور بالحاجة لبعضنا البعض أو أن هذا الوطن سيكون مختلفا لو انفردت به جماعة دون الآخرين .

الإرهاب له عقل ماكر فهو يريد أن يغير أنماط حياة المجتمعات ويريد أن يسحب تلك المجتمعات للمعارك، التى يحددها الإرهاب وأهمها أن يشعر فريق من الوطن بأنه مستهدف وأن من يشاركه العيش المشترك فيه لم يكن حريصًا على حمايته، وتبدأ رحلة الاغتراب داخل المجتمع بحيث يعيش فيه بعض أبنائه وهم لا يشعرون بقوة الترابط والتلاحم بين مكوناته..
وهنا فإن أهم أسباب قَومة المصريين ويقظتهم يجب أن تكون فى مواجهة ما يقصد إليه الإرهاب ويستهدفه، فإذا كان يريد أن يأخذ مجتمعنا من وحدته إلى تفرقة ومن ثقته إلى شكوك ومن رضا إلى غضب ومن شعور قوى بالارتباط بجذور ضاربة فى قلب تاريخ هذه الجماعة الوطنية المصرية إلى شعور بالغربة وعدم الانتماء وتبديد أهم عناصر رأسمال المصريين الاجتماعى والثقافى وهى وحدتهم فإنه يجب أن تكون لنا خطتنا وطرق مواجهتنا لهذا السرطان الخبيث وعلى رأسها ثقة لا تتبدد بأن مصير المصريين واحد وأن مصر هى وطن يعيش فينا وليس مجرد وطن نعيش فيه على أهمية هذا الوطن المادى، الذى تمثله بلادنا مصر وهى الإقليم الذى عاش عليه المصريون مذ أن كانوا قديما وهو إقليم موحد واحد فى ترابه وفى خرائطه وفى مكوناته المتنوعة فى سيناء وفى الصعيد وفى الدلتا وفى السواحل والصحارى، إنه جزء من إيماننا ووجودنا وهويتنا ويجب أن يكون الحفاظ عليه وطنا موحدا بنسيج أبنائه أجمعين وبقيم محبتهم وتكافلهم وترابطهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..
فى لحظات التحدى الكبيرة يجب أن تكون الاستجابة على مستوى ذلك التحدى كبيرة واثقة فى الحاضر وفى المستقبل الباقى بوجود لحمة لا تنفصم بين المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين، وقد ظلت تلك اللحمة عصية على الاختراق فى ظل الاحتلال البريطانى وحاول اللورد كرومر الماكر أن يتلاعب بها ولكنه ذكر يائسا فى تقريره عن مصر: «إنه لا توجد فروق بين المسلمين والمسيحيين فى مصر غير أن المسلمين يذهبون يوم الجمعة للمسجد ويذهب المسيحيون يوم الأحد للكنيسة”، لقد حاول أن يتلاعب بالوحدة الوطنية للمصريين والتماسك الاجتماعى بمحاولة إغراء المسيحيين بالانضمام للمحتل الإنجليزى باعتبار أن هناك دينا مشتركا هو المسيحية، بيد إن الوطنية المصرية الغلابة للمسيحيين المصريين جعلته ييأس من التأثير على المشترك الواحد بين كل المصريين، وفى أيام الاحتلال الفرنسى حاول المستعمر الفرنسى أن يشق وحدة المصريين باستمالة المسيحيين إليه ولكن من حاول أن يغلب إغراءات المستعمر الفرنسى لفظه المصريون جميعا، وهو المعلم يعقوب ومات خارج تراب الوطن المصرى.
وكانت ثورة ١٩١٩ عنوانا على التماسك الوطنى بين المصريين جميعا، والتى رفعت شعار الهلال والصليب، وشارك فيها رجال الدين المسلمين والمسيحيين معا، وكان حزب الوفد بيت الحركة الوطنية كلها بمسلميها ومسيحييها، وظلت وحدة المصريين وتماسكهم آية من آيات الخلق والاجتماع حتى اليوم، وطن واحد ومصير مشترك..

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات