الدكتور صلاح عبد السميع يكتب النفاق الإعلامي والكيل بمكيالين

صلاح عبد السميع

 الإعلام هو أداة قوية تُشكل الرأي العام وتُعيد تشكيل فهمنا للعالم من حولنا. ولكن، ما الذي يحدث عندما يتم استخدام هذه الأداة بشكل غير صحيح وغير عادل؟

نحن نتحدث هنا عن النفاق الإعلامي والكيل بمكيالين، وهو أمر يتطلب منا أن نتفحص بعناية كيفية عمل وسائل الإعلام والأدوار التي يمكن أن تلعبها في تشويه الحقائق والواقع.

ومن خلال النظر بموضوعية تامة على سياق تطور الأحداث فى فلسطين وما يحدث عبر سنوات من سلطات الاحتلال الاسرائيلى عبر قتل للأطفال والنساء والشيوخ وهدم للمنازل ، وبناء مستوطنات ، ليس فى فلسطين المحتله وحدها ، بل من قبل فى مدرسة بحر البقر فى مصر 

وفى صبرا وشاتيلا ،وفى لبنان ، وفى غزة على مدار سنوات وعدم الانصياع لقرارات الأمم المتحدة منذ قيام دولة الاحتلال على ارض فلسطين ، وعدم تنفيذ قرار 242 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تم اتخاذه في 22 نوفمبر 1967، كان أحد القرارات المهمة التي تم اتخاذها بعد حرب الأيام الستة.

القرار يدعو إلى “سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير” و”احترام والاعتراف بسيادة، واستقلال وسلامة الأراضي الجغرافية والسياسية لكل الدول في المنطقة وحقها في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.”

ومنذ هذا التاريخ والقضية الفلسطينية معلقة ولم تحسم حتى اليوم ،ولهذا كانت المقاومة الفلسطينية شعارا يرفع فى مواجهة المحتل ، وعبر ضغوط تم ممارستها على اهالى غزة من خلال الحصار والتجويع بل وقصف غزة اكثر من مرة ، وسقوط قتلى وجرحى بأعداد كبيرة دون مبالاة من الرأى العام العالمى ، وخطاب الاعلامى يذهب دائما الى تحميل شعب فلسطين مسئولية اى عمل شرعى يتفق مع القرار 242والذى يسمح للمحتل ان يدافع عن نفسه وعن ارضه ومقدساته .

ومنذ صباح يوم 7 اكتوبر عام 2023 والذى اطلقلت عليه المقاومة الفلسطينية اسم طوفان الأقصى ، حيث قامت المقاومة بتنفيذ عملية عسكرية داخل مستوطنات غلاف غزة اسفرت عن خروج فرقة كاملة من الخدمة ، واسر اكثر من 250 من المحاربين ومن سكان المستوطنات

وبدأت فصائل المقاومة فى بث ما تم تصويره عبر وسائل الاعلام ، وظهر بشكل واضح كيف تعاملت فصائل المقاومة مع الأطفال والنساء وكبار السن ، وظهر ذلك خلال الأيام التالية لبداية المعركة التى قال رئيس وزراء الاحتلال الآن بدأت الحرب ،فقد راى العالم اجمع شهادات من اعترفوا عبر منابر اعلام اسرائيلية بأنهم تم معاملتهم بكل تقدير ، بل ان بعضهم كان ينال رعاية خاصة لأطفالهم ، تلك كانت الصورة التى تم تداولها عبر الفديوهات التى تم اذاعتها من قبل المقاومة الفلسطينية ، وكذلك من قبل بعض وسائل اعلام الاحتلال عقب تلقى صدمة الهزيمة مع انتهاء يوم السابع من اكتوبر عام 2023 .

فما الذى حدث بعد ذلك وكيف ظهر الاعلام الغربى بل والأمريكى ومن قبل الاسرائيلى ، لكى ينقل صورة اخرى صادمة ترتب عليها مزيد من العنف والقتل الجماعى نتيجة ردود افعال غاضبة تعرضت لغسيل مخ عبر نشر صور خادعة وغير حقيقية من قبل قادة الاحتلال ومن اجل كسب تعاطف العالم الغربى والولايات المتحدة الأمريكية 

حيث تم كشف زيف بعض الصور الت  تم عرضها على قادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وكأنه حرق طفل اسرائيلى ،وتبين لاحقا انها صورة لكلب فى عيادة حيث يتم علاجه ، ثم تم معالجة الصورة بالذكاء الاصناعى ، لكى تظهر كأنها لطفل محترق ،  ومن المؤسف ان يتم كشف الحقيقة من قبل وسائل الاعلام غربية ، ويكون الرد نأسف لحدم تحرى الدقة ، ويكتب كأنه خبر عابر ، بينما تم تناقل الخبر المزيف عبر باقى وسائل الاعلام وادى ذلك الى حالة من الاحتقان والغضب الشديد 

واسفر لاحقا عن قيام رجل امريكى  فى السبعين من عمره بطعن طفل فلسطينى يعيش فى امريكا بأكثر من 26 طعنه ، كما طعن والدته بالعديد من الطعنات بالسكين ، وكان يردد اخرجوا من ديارنا انتم قتلة الأطفال

طبعا من الطفل ، وكتبت النجاة للأم التى مازالت فى المستشفى تتلقى العلاج نتيجة طعنها بالعديد من الطعنات القاتلة .

كانت تلك الحادثة نتيجة الكذب والنفاق الاعلامى ونشر اخبار كاذبة ، والى لحظة كتابة المقال تقصف غزة كل دقيقة ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ، تهدم على رؤوس الجميع المنازل ، بل تقصف المستشفيات ، وفى قصف مستشفى يستشهد اكثر من 500 فلسطينى ما بين اطفال ونساء ومرضى واطباء فى لحظة واحدة يفارق الجميع الحياة 

ومازالت اسرائيل تقصف دون نظر الى اية دعاوى لوقف نزيف القتل ، بل تجد من يردد عبارات من داخل اسرائل ، وايضا من داخل الولايات المتحدة ” ان سكان غزة حيوانات ولا يحق لهم العيش ” ابيدوا سكان غزة .

ولعنا نرى بوضوح عند قراءة الاعلام الغربى والأمريكى صور النفاق الإعلامي الذى  يتجلى في عدة أشكال، سواء كان ذلك من خلال التحيز في التغطية الإعلامية أو تزييف الحقائق أو إهمال ما يحدث فى ارض الواقع داخل غزة او داخل الأراضى المحتلة فى فلسطين ، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون الإعلام نفسه أداة لتعزيز الأجندات السياسية أو الاقتصادية بدلاً من تقديم معلومات صادقة وموثوقة، كما يظهر بوضوح من خلال موقف الرئيس الأمريكى بايدن .

 

والكيل بمكيالين في الإعلام يشير إلى التمييز أو التحيز غير العادل في تقديم الأخبار والمعلومات.

هذا يمكن أن يعني تقديم تغطية غير متوازنة للأحداث والقضايا وطوفان الأقصى خير دليل على ذلك ، أو تقديم تغطية سلبية أو إيجابية بشكل مفرط لشخصيات أو جماعات معينة، كما يحدث من خلال اظهار الاحتلال الاسرائليى بأنه هو المظلوم وأن من حقه أن يدافع عن نفسه ، وينسي الجميع ان حروب الابادة الجماعية من عام 1948 ، مرورا بعاد 1967،ثم حرب 1973 ، وحرب لبنان ، ثم حروب غزة منذ عام 2008 وصولا الى طوفان الأقصى اكتوبر  2023 م

وما ينتج عنها من قتل للأطفال والنساء وهدم للمنازل دون اى احترام للقوانين الدولية ، بل قطع الكهرباء والماء والطعام عن سكان غزة  واغلاق للمعابر وكأنه عقاب وقتل جماعى لسكان غزة ، وترتيب ممنهج لتهجير سكان القطاع بالكامل خارج جغرافية غزة اما الى الأردن او الى سيناء ، الا ان موقف القيادة المصرية يرفض بشكل نهائى ان يتم التهجير الى سيناء .   

ولمواجهة هذا التحدي الاعلامى ، نحتاج إلى تعزيز الوعي بالنفاق الإعلامي والكيل بمكيالين وتقديم مقترحات لفضح أكاذيب اعلام الاحتلال الاسرائيلى والأمريكى  والغربى .

ولهذا الغرض، يجب أن نتعلم كيفية فحص الأخبار والمعلومات بشكل نقدي، والبحث عن مصادر متعددة للمعلومات، والتواصل مع الصحفيين والمنظمات الإعلامية للمطالبة بالنزاهة والشفافية.

 

وهنا اود ان اشير الى اهمية الوعي الإعلامي  الذى يلعب دوراً حاسماً في مكافحة النفاق والتحيز في وسائل الإعلام. القدرة على تقييم الأخبار والمعلومات التي نتلقاها بشكل نقدي، وتحديد الحقائق من الأكاذيب، وفهم كيفية عمل وسائل الإعلام والقوى التي تشكلها كل هذه الأمور أساسية فى اللحظة الراهنة وفى ظل العدوان الاسرائيلى على قطاع غزة وما قد ينتج عنه من تداعيات على المستوى الاقليمى والعالمى خلال الأيام القادمة .

 

ما النصائح التى يمكن ان نقدمها للراى العام للتحقق من صحة الأخبار والمعلومات

تحقق من المصدر: قبل الثقة في أي خبر، تحقق من المصدر. هل هو صحيفة أو قناة أخبار موثوقة؟ هل المصدر يتمتع بسمعة جيدة للنزاهة الصحفية؟

 

ابحث عن مصادر متعددة: إذا كان الخبر كبيرًا أو هامًا، فسيتم تغطيته عادةً من قبل عدة وسائل إعلام. إذا كنت تجد الخبر فقط في مصدر واحد، فقد يكون هناك سبب للشك.

 

تحقق من الأدلة: الأخبار الجيدة تقدم الأدلة على ما يزعمون.

هذا يمكن أن يشمل الاقتباسات من المصادر الخبيرة، الصور، الأرقام والإحصاءات، والروابط إلى الأبحاث والتقارير الأصلية.

 

كن حذراً من الأخبار العاجلة: في الساعات والأيام الأولى بعد حدث كبير، يمكن أن تكون الأخبار غير دقيقة. يستغرق الصحفيون الوقت لجمع الحقائق والتحقق منها.

 

استخدم أدوات التحقق من الأخبار: هناك العديد من الأدوات والمواقع على الإنترنت التي يمكنها مساعدتك في التحقق من الأخبار والصور والأشرطة الفيديو.

واخيرا نحتاج الى أن تشكل فرق عمل من خريجى كليات الاعلام وكذلك كليات الحاسبات والمعلومات ،على ان تتولى تلك الفرق جمع وتوثيق كل الفديوهات المصورة من داخل غزة او الأراضى المحتلة ويتم ارشفتها ، كما تقوم فرق العمل بترجمة كافة المشاهد والتعليق عليها وبثها عبر منصات دولية معترف بها ولها سمعتها ،ويمكن تأسيس منصة اعلامية اليكترونية توضع فيها كافة الصور والفديوهات وتترجم الى لغات عده لكى يطلع العالم على ما يحدث بعيدا عن هيمنة الاعلام الذى يمارس الخداع او النفاق ، يجب ان يؤدى الجميع دوره حسب التخصص ،

وتلك اللحظة الحاسمة التى تعبر عن تضامن العالم العربى  والاسلامى فى مناصرة القضية الفلسطينية التى اراد المحتل  ان تموت فى نفوس ابناء الأمة ،ولكن قدر لها ان تحيا من جديد ،ورغم فداحة ما يقدم من ثمن الا انها سوف تعود الى اهلها  طالما بقى المخلصين  الأوفياء فى عالمنا العربى والاسلامى الذين يعرفوا قدر وقيمة القدس وبيت المقدس .

 

إن النفاق الإعلامي والكيل بمكيالين ليسوا مشكلة تقتصر على القضية الفلسطينية فحسب، بل هي مشكلة عالمية تتجلى في العديد من القضايا والأحداث الدولية. ومع ذلك، يُظهر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الأمر بشكل خاص، حيث الاستخدام المتكرر لتقنيات الإعلام والتضليل السياسي لتشويه الحقائق وتبرير الظلم خاصة فى ظل تداعيات معركة طوفان الأقصى والتى بدات منذ يوم 7 اكتوبر عام 2023م.

 

واخيرا فإن الحاجة إلى الإعلام الحر والمستقل على مستوى العالم  أكثر أهمية من أي وقت مضى. نحن بحاجة لصحافة تقوم بدورها في تحديد الحقائق وكشف الأخبار، بدلاً من التلاعب بالمعلومات وتوجيه الرأي العام كما يحدث الآن من محاولات لنشر الأكاذيب بشأن ما يحدث فى فلسطين . وفي هذا السياق، يتحمل الجميع مسؤولية التحقق من المعلومات والنقد البناء للمصادر الإعلامية. فقط بهذه الطريقة، يمكننا أن نحارب النفاق الإعلامي والكيل بمكيالين ونضمن حق الجميع في الحقيقة.  

نقلا  عن الأهرام الجديد الكندية

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات