الدكتور صلاح عبد السميع يكتب غزة نموذج الصمود والتكافل  وأيقونة العطاء بلا حدود

صلاح عبد السميع

 عندما نتحدث عن غزة، تأتي إلى أذهاننا صورٌ من الصمود والتحدي. فهي منطقة تعيش تحت ظروف صعبة ومعقدة نتيجةً للحصار الذي فرض عليها منذ سنوات عديدة من قبل المحتل الصهيونى منذ عام 1948م .

ومع ذلك، فإن سكان غزة يعرفون جيدًا كيف يتعاملون مع التحديات ويستمرون في الحياة بكل كرامة وصمود، ولعل نموذج الصمود عبر سنوات عدة من الحصار الدائم ، واغلاق للمعابر، وتحويلها الى سجن كبير ، يخضع لمراقبة ليل نهار ، حيث كاميرات ترصد كل صغيرة وكبيرة،وأجهزة استخبارات ترصد وتطارد وتقتل دون تمييز بين طفل او امرأة ،ولعل الصورة الحقيقية وليست المزيفة تعبر بوضوح عن مأساة ما يحدث للشعب الفلسطينى عبر عقود من ممارسات تذهب الى محاولة تصدير الهزيمة النفسية للصغار والكبار داخل الأراضى المحتله .

وعبر جولات من الصراع والصمود فى مواجهة المحتل اثبتت غزة الأرض والزمان والانسان انها قادرة على مواجهة كل من يحاول أن يكسر صمودها ، فى ظل صمت دولى يدعى حماية الديمقراطية وحماية الانسان ، ويسعى الى تزييف الحقائق وتزوير التاريخ ، بل كتابته بالصورة التى يريدها هو وليس كما يجب ان يكتب 

حتى تم تزييف المناهج الدراسي وفرض مفاهيم جديدة تلغى تاريخ القضية ، بل تحذف مفهوم الجهاد ضد المحتل، ورغم أن التزييف قد فرض على مناهج عربية لكى تفقد الأجيال بوصلة الوعى بالتاريخ والتمييز بين العدو والصديق ، الا ان طوفان الأقصى وتداعاياته اعاد الى وجدان الأمة كل معانى العزة والصمود ، ولعل ردود الأفعال تعبر بوضوح عن تضامن الشعوب مع قضية فلسطين .

واود ان اشير في هذا السياق، تجلى الدروس والعبر التربوية في ظل صبر وتضامن وتكافل شعب غزة على نحو لافت خاصة فى ظل تداعيات معركة طوفان الأقصى والتى بدأت مع صباح يوم السابع من اكتوبر عام 2023 بقيام المقاومة باقتحام مستوطنات غلاف غزة المحتل والقضاء على فرقة  عسكرية كاملة واخراجها من الخدمة خلال ساعات معدودة 

وقد سجل الاعلام العسكرى للمقاومة بالكاميرا مشاهد الاقتحام ، بل توثيق كامل لكافة الأحداث ، وكيف تعامل شباب المقاومة مع النساء والأطفال والأسرى بكل معانى التسامح التى امرهم بها الدين الاسلامى؟

وظهر ذلك واضحا عبر شهادات متلفزة لبعض النساء ممن تم اطلاق سراحهم على عكس ما حاول الاعلام الأمريكى والغربى أن يظهر شباب المقاومة بأنهم قتلة للأطفال والنساء والشيوخ .

ومع بداية اعلان رئيس وزراء الكيان المحتل أن الحرب قد بدأت والى لحظة كتابة المقال ، مازال القتل والقصف لكل انحاء غزة مستمر ، آلاف القتلى وآلاف المصابين ، وموقف غالب وسائل الاعلام فى امريكا والغرب تكاد تجمع على الوقوف الى جوار المحتل ، وتناسي الجميع قرار مجلس الأمن 242 ، وتناسي الجميع ان من حق شعب فلسطين ان يقاوم المحتل ، وبقى اهل غزة وفلسطين فى مواجهة اعتى آلة عسكرية امريكية صهيونية .

إنها دروس تتعلمها الأجيال الجديدة من القدوة والصبر والتكافل. فعلى الرغم من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية التي يواجهها سكان غزة ، فإن السكان يقدمون صورة رائعة للتضامن والتكافل.

من فقدوا منازلهم بعد ان قام المحتل بهدم المنازل فوق رؤوس الجميع ، الا ان الجميع فتحوا منازلهم وقدموا ماتبقى من طعام وشراب لمن بقى دون منزل ، تقاسموا اللقمة الواحدة ، والصور تعبر عن ذلك ، رغم ان المحتل اغلق المعابر وقطع الكهرباء والماء ومنع دخول الدواء والغذاء الى سكان غزة ، وحتى لحظة كتابة المقال وعود لم تتحقق بفتح المعابر لدخول الطعام والماء والدواء ، وهى مقومات الحياة التى يجب ان تتوافر اثناء الحروب ، وبقى العالم الغربى المتحضر صماتا ، بل اتهموا من يعيش فى غزة بأنهم حيوانات بشرية بعد أن مارس المحتل خداعاً للجميع ادعى من خلاله قيام المقاومة بقطع رؤوس الأطفال 

وظهر انها كذبة وتزييف تم كشفه لاحقا ، ولكن بقيت الصورة الذهنية فى عقول شعوب الغرب وامريكا بأن شعب غزة قاتل للأطفال ، ونسي الجميع أن الصورة التى تنقلها الكاميرا دون تزييف تعبر عن قتل يومى للأطفال والنساء ، وأن غالب الشهداء من الأطفال  نتيجة القصف اليومى للعدوان الاسرائيلى على غزة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.

 

أحد الدروس التربوية الهامة التي يمكن أن نستخلصها من غزة هو قوة التحمل والصمود. فالأطفال والشباب في غزة يتعرضون لتجارب صعبة ومؤلمة يوميًا، ومع ذلك، فإنهم يستمرون في الحلم والأمل بمستقبل أفضل. إن قدرتهم على مواجهة التحديات والاستمرار بعد مرور 12 يوما من المذابح التى يمارسها المحتل  ضد شعب غزة ليلا ونهارا .

 

بالإضافة إلى ذلك، تعلمنا من غزة قيمة التكافل والمساعدة المتبادلة. يعيش السكان في غزة في بيئة يسودها العزلة والحصار، ولذلك فإنهم يعرفون جيدًا مدى أهمية التكافل والدعم المتبادل في التغلب على الصعاب. ولنا ان نشاهد عبر الفديو ما يقوم به الأفراد والمجتمع داخل غزة بتقديم المساعدة والدعم لبعضهم البعض في محاولة لبناء مجتمع مترابط ومتماسك.

 

وبالنظر إلى النجاحات التربوية في غزة، فإنه يمكننا أن نستلهم دروسًا قيمة لتعزيز التعليم والتربية في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، يمكننا تعزيز قيم الصمود والتحمل في المناهج التعليمية وتشجيع الطلاب على تطوير مهارات التكيف والتحمل في وجه التحديات. كما يمكننا تعزيز قيمة التكافل والتعاون من خلال تعزيز برامج التعلم الجماعي والعمل التعاوني في المدارس.

 

في الختام، يمكننا أن نستخلص  أن غزة تقدم دروسًا وعبرًا تربوية قوية في مجالات الصمود والتكافل. إن قوة التحمل والصمود التي يظهرونها السكان في مواجهة العدوان الاسرائيلى تعكس إرادتهم القوية وقدرتهم على التكيف فى مواجهة الآلة العسكرية ورفض التهجير القسرى الى سيناء او الأردن ، كما رفضته القيادة المصرية واعلنت مصر رفضها المطلق لأى تهجير لشعب غزة الى سيناء ، ودعت القيادة المصرية جموع الشعب فى غزة الى الصمود .

نعم ان مصر قيادة وجيشاً تدرك أن غزة تمثل خط الدفاع الأول للأمن القومى المصرى ، خاصة فى ظل ما يحدث فى السودان من حرب مستعرة ومن خلف ذلك الصراع تمارس اسرائيل دورا بارزا فى كل ما يحدث من اثارة فى اثيوبيا عبر تصدير مشكلة سد النهضة من ناحية ، ومن ناحية اخرى ما يحدث فى السودان ومن قبل فى ليبيا ، ولهذا علينا ان ندرك أن اى تغيير فى ميزان القوى وازاحة خط الدفاع الأول فى غزة سوف يؤثر سلبا على الأمن القومى لمصر والأردن .

وأخيرا علينا أن نعيد قراءة التاريخ انطلاقاً من الوعى بأهمية القضية الفلسطينية ، واعادة القضية الى مناهج التعليم فى الدول العربية ،بعد أن تم ازاحتها ، وعلى وزراء التعليم فى العالم العربى أن يدركوا أن التاريخ سوف يسجل وأنه لن يرحم احدا ، اما ان يكتب انهم اعادوا القضية الى مكانتها الطبيعية فى مناهج التعليم العام والجامعى ، واما ان يشهد على الجميع بأن غزة كانت تقصف ليل نهار فى اكتوبر 2023وترصد الكاميرا شهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب وقد وصل عددهم قرابة 4 آلاف شهيد وآلاف الجرحى  فى مساء 19 اكتوبر من عام 2023 ،  بينما غاب المعلم والكتاب الذى يوثق الحدث ، ويشكل الوعى فى وجدان الشعوب التى نسيت وتناست قضيتها بفعل ممارسات اعلامية غربية وعربية، ساهمت فى تعتيم المشهد وتغييب الوعى بأن غزة نموذج الصمود والتكافل  وأيقونة العطاء بلا حدود.

نقلا عن الأهرام الجديد الكندية

 

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات