أمواج و عواصف , بحار و مسافات من المشاكل و الاضطرابات النفسية و التى تعاني منها البشرية تؤثر سلبا علي صحتنا , وتلعب دورا شرسا علي إنسانيتنا .
فى يوم من الايام أراد خياط أن يعلم حفيده حكمة عظيمة ,فأمسك بمقص ثمين , و بدأ يقص قطعة قماش كبيرة إلي قطع صغيرة , و بعد الانتهاء من قص القماش رمي المقص الثمين علي الارض , و أخذ إبرة صغيرة و قام بحياكة القطع الصغيرة ليصنع منها ثوبا جديدا و جميلا , و ما أن انتهى من الحياكة , غرس الابرة في عمامته , و حفيدة ينظر اليه بتعجب , فسأله : لماذا رميت المقص الثمين جانبا علي الارض ؟ و إحتفظت بالابرة الرخيصة الثمن في عمامة رأسك ؟
فأجابه الجد : إن المقص هو من فرق قطعة القماش الكبيرة . بينما الابرة هى التى لمت شمل القطع لتخلق منها ثوبا أنيقا يستر البشرية . يا بني كن من الذين يجمعون الشمل , و لا تكن من الذين يفرقون الناس أشتاتا , فإذا جاءك المهموم اسمع و احتوى , و إذا استسمحك المعتذر اصفح و احتسب ,و إذا ناداك صاحبك لحاجة انفع و كن له السند , وان حصدت شوكا , فيكفيك انك للورد تزرع …
هنا يكمن السؤال !
ينظر الكثيرون الى العلاقات الانسانية علي انها احساس عام يعتمد علي الذوق و المجاملة , فلماذا اذن تنتاب العلاقات الانسانية حالة من عدم الاتزان , و لماذا الصعوبة في تطبيقها ؟
الاجابة بإختصار هي ان العلاقات الانسانية ليست بالبساطة التي نتخيلها , فهى فلسفة حياة و سفينة نجاه تستلزممعرفة التجديف في بحر المعارف الفنية عن الطبيعة البشرية و تنمية المهارات الاجتماعية .
العلاقات الانسانية هي هدف و حوافز مشتركة , و هى ذلك الميدان الذى يمارس فيه فن الادارة من اجل اشباع الاحتياجات .
للاسف الشديد , يخلط البعض بين مفهوم العلاقات الانسانية كصفة انسانية و كأنها صفة شخصية تقوم علي الصداقه و سابق المعرفه و المحسوبية , لكن فى واقع الامر الفرق بيّن , فالعلاقة الانسانية تقترن بالموضوعية , بينما العلاقة الشخصية تمتزج بالتحيز و التعصب !
و ثمة خلط فى الاوراق ايضا الا وهى غض البصر عن أخطاء الغير الذى قد يؤدى الي تدهور العلاقات فيما بعد . إن مثل هذا التفكير مناف لما نادت به العلاقات الانسانية التى تدعوا الي الاستقرار و الكفاءة و العدل و الانتاجية .
كثير من العلاقات الشخصية تصبح ساحة للصراعات و عدم الراحة , فالقصة لم تكن قصة رومانه و انما هي قصة قلوب مليانه !
فالعلاقات البشرية إما جوا من التنافس و المشكلات , و احيانا اخري تكن جوا من الرضا و القناعه و الهدؤ . لذلك يجب علينا التعمق فى النفس البشرية و نعي تماما بأن كل فرد يختلف عن الاخر في اشباع الاحتياجات وفقا للظروف و الرغبات .
إذن هناك بعض المسلمات التي يجب أن نؤمن بها اولها الايمان بقيمة الفرد و احترام شخصه الكريم , فللاسف الشديد الاخلاق الفردية و المجتمعية في حالة حرجة تحتاج لتدخل العناية المركزة كى تداوى هذا الهبوط الحاد في الاخلاق الذى ادى لانهيار منظومة القيم . فلم يعد الاحترام لصلة القرابة و الخصوصية قائما , و لم تقدس العلاقات الزوجية ( الميثاق الغليظ ) , بل ولم تنعم العلاقات الانسانية بشكل عام بالاتزان النفسي و الفكرى و السلوكى !
و طبعا بيت القصيد هنا هو العنصر الثالث الذى يسمى غياب ثقافة الاختلاف في الرأى .
و هناك العديد من القواعد عن فن قبول الاختلاف , إن تم تطبيقها تجنبت الصدام , و احترمت نفسك و اكتسبتها , و هذه القواعد :
- كل واحد له شخصيته و فكره المستقل و الحر .
- ليس شرطا ان تقتنع بما اقتنع به .
- انظر بعين الاخرين للموقف بجانب رؤيتك حتي تكتمل امامك الصورة .
- ان الاختلاف فطرة طبيعية خلقنا عليها في الحياة حتى يصبح للحياة صور و معانى و اشكال لانملها بل تضيف لانسانيتنا الحرة لوحة من جمال الالوان و الاحاسيس . فالانسان يتفاعل مع الاختلاف .
- معرفة الناس للتعايش معهم لا لتغييرهم .
- ما تصلح له انت قد لا اصلح له أنا .
- ما يزعجك ممكن الا يزعجنى .
- للحوار آداب هدفها الاقناع و ليس للإلزام .
- لا تقف عند الالفاظ , بل ادخل فى أعماق المقصد من الكلام , فلا تتصيد عثراتي , و لا تحكم علي سلوكى العابر تحت ضغط عالي .
- لا تمارس دور الاستاذ و الخبير .
- أقبلنى كما أنا , حتي أقبلك كما أنت .
- عاملنى بما تحب أن أعاملك به .
- الحياةقائمةعليالثنائية .. أنتجزء من منظومتها .
- شريك الحياة هو وجه مقابل و ليس مطابق .
- الناس في إحتياج الي التقدير و الشكر , فلا تقلل او تحقر من شأن الغير .
- أبحث عن صوابي , فالخطأ مني طبيعي . أنظر لايجابياتى .
- لا يخلو إنسان من حاجه او ضعف .. و لولا حاجتى و ضعفي لما نجحت أنت .
- كن لي حمي أكن لك سند .
- كما لك حق فلغيرك حق .
- تقبل إختلاف غيرك و طور من نفسك .
وقف عمر رضي الله عنه مرة ليخطب في الناس , و نصحهم ألا يغالوا فى مهور النساء , و بين أن الرسول عليه الصلاة و السلام ما أعطى أحدا من نسائه و لا أخذ لبناته إلا شيئا قليلا , فقامت اليه إحدى النساء , و قالت في شجاعة : يا عمر يعطينا الله و تحرمنا , اليس الله سبحانه و تعالى يقول ( و اتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) و القنطار هو المال الكثير . فأدرك عمر صواب قول المرأة و حسن استشهادها بالاية الكريمة , فرجع عن رأية و قال : أصابت إمرأة و أخطأ عمر و قال مقولته الشهيرة : كل الناس أفقه منك يا عمر .
هنا نتوقف و نتعلم الدرس بأن الاعتراف بالحق فضيلة .
فأغلب الظن أننا نستمع إلى الأخرين لنرد عليهم لا لكى نفهم منهم .
خلاصة القول يقول الله تعالى فى سورة آل عمران : (( فبما رحمة من الله لنت لهم , و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك , فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم فى الامر , فاذا عزمت فتوكل علي الله , ان الله يحب المتوكلين ( 159) ))
صدق الله العظيم
و خلاصة القول أيضا في الانجيل (( فان كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب تحب قريبك كنفسك فحسنا تفعلون )) ( يع 2: 8)
(( فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم أيضا بهم لان هذا هو الناموس و الانبياء )) ( مت 7 : 12 )
و الناموس هو الشريعة التى وضعها سيدنا موسي عليه السلام بوحي من الله فى الحقوق المدنية .
- ولله در الشاعر إذ يقول :
حافظ علي الخلق الجميل و مربه
ما بالجميل و بالقبيح خفاء
- و يقول الشاعر :
و المرء بالاخلاق يسمو ذكره و بها يفضل في الورى و يوقر
أوغل بدنياك لا تنس الضمير ففي طياته السر عند الله ينحصر .