د صادق رؤوف عبيد يكتب أقاضي القضاة يستشير البشر ؟

ليس سراً أني حين أكتب عن الأديان بوجه عام يكون في قلبي دائماً هدف نشر الوئام حتي تقوي روابط الوحدة الوطنية و يعيش الأهل في مصر في سلام و أمان. قد عشت معظم حياتي بين القاهرة و الإسكندرية الا أن أهلي جميعا هم من قنا و محافظات الصعيد.

وفي الصعيد كم من دماءٍ تسيل جراء جروح في المشاعر. فلعل مداوة المشاعر وجراح الروح تكون عند الله أقدس من مداواة الأجساد أو العناية بها.

إلا أني اليوم أكتب لهدف أكثر أهمية وهو أن تصفو قلوبنا بيننا و بين أنفسنا. و لم يغب عني لحظة المهرجان الذي تم نصبه مؤخراً

في المجتمع المصري لأن أحد الشيوخ الأفاضل قد حكم بتكفير أتباع الدين الآخر.
و لأني أعلم أني سأدخل الآن في حقل من الألغام من الطرفين وسأكون في مرمي النيران من من ملايين الشباب من الطرفين

الذني يتوهم بعضهم أن الله سبحانة و تعالي قد طلب من البشر الحماية سأعبرحقل الألغام هذا علي سحابة من قصتين.
الأولي من الصعيد. سواء أنها حدثت بهذا التفصيل
أو لا ليس بيت القصيد و لكن معناها هو ما يهمني.

و القصة الأخري قد رواها السيد المسيح لحواريه بنفسه. قصصاً جميلة أو “أمثال” كما الترجمة العبرية الدقيقة لطريقة التعليم السائدة في تلك البلاد حتي يومنا هذا. فحين سمعت الشيخ الجليل يتحدث عن أتباع الدين الآخر الذي أنا منه كفار بحق لم يسوؤني ما قال. فلنكن أمناء مع أنفسنا ، أحد الأديان يصنف الناس الي مؤمنين و كفار. والدين الآخر يصنفهم الي مؤمنين وغير مؤمنين. و المعاجم العربية واضحة. معني الكلمتين واحد. فعلا ما الغضب و علاما معاقبة الشيخ الجليل؟

كل ما أعترض عليه فيما قال حين إستمعت للتسجيل هو قوله أن يوم الحساب سيصرخ المؤمن إلي الله معلنا أن الآخر كان كافراً.

وللأسف هذا التفكير موجود في فكر معظم المؤمنين من الديانتين بل لعله كثر عنفاً عند أتباع الديانة اليهودية التي لها في قلبي أيضاً مكانة و توقير.

فمن منا ,, لم ينظر الي شخص آخر ولم يفكر فيما سوف يلقاه ذلك الإنسان من عقاب في الآخرة؟ ونعم هناك شباب متطرف يصر علي تفسير أن الدين عند الله هو الدين ومن الجانب الآخر من يقول أن المعلم الصالح قد حسم الأمر حين قال إنه هو الطريق و الحق و الحياة.

و لم يترك الشباب الأول و لا الشباب الثاني لله عز و جل الحكم أو القضاء. ونعم هناك مذاهب يجنح المتطرفون فيها الي العنف الجسدي بينما يميل  أتباع المذهب الآخر الي العنف الفكري.

لا أقصد التراشق بالكلمات و لكن أقصد التشدد في الحكم المسبق علي الآخرين. وهم علي يقين أن قاضي القضاة في أعلي سماه سيقضي بما يرونه هم حكماً عادلاً وواجباً.

و الآن و قد دخلت في قلب حقل الألغام
ولذا سأخرج منه بقصة أحد المحامين في الصعيد. كان الرجل عنيفاً في الحق ,, عادلاً و لكنه كان قاسياً قسوة جبال الصعيد. تقسم زوجته أنه لم يكن يقلع الطربوش حتي و إن كان نائماً ! وقف هذا المحامي يترافع عن أحد موكليه أمام قاضي جديد في البندر.

لم يكن يعلم الكثير لا عن طباع هذه المحامي و لا عن مكانته في المدينة. وقف المحامي و ترافع بصوت جهور أمام القاضي.

وأنهي مرافعته قائلاً: ” و الآن يا سيادة المستشار,, (ورفع بيده اليمني نسخة من قانون العقوبات المصري) لم يعد أمامك بمقتضي هذا الكتاب الملزم لنا جميعاً ,, إلا بأن تحكم ببراءة موكلي.” فنظر اليه القاضي و قال: “يا أستاذ قول الجملة ديه تاني و إطربني!” فلم يفهم المحامي لماذا طلب منه القاضي أن يعيد كلماته. أداء هذا المحامي وجلاء صوته كانا واضحين. فالناس كانت تسمع صوته في الطرقات المجاورة و هو يترافع. و بعد أعاد المحامي ما قالينظر إليه القاضي بصرامة قائلاً:  “ليس أمامي إلا أن أحكم بما تراه أنت يا أستاذ ؟” فبدأت تعلوا في القاعة بعض تمتمات الحاضرين. فضرب القاضي بالمطرقة علي المنصة و قال: “حكمت المحكمة حضورياً ببرائة المتهم من جميع التهم المنسوبة إليه. مع حبس محاميه أربعة أيام بتهمة إهانة المحكمة.”
فضج الأهالي بالضحك ضاربين كفاً بكفٍ. وتقدم المأمور بنفسه و إقتاد المحامي أمام الحاضرينو سقط طربوش المحامي علي الأرض .

وكانت أول مرة يسير هذا المحامي أمام الناس بدون غطاء للرأس. أروي هذه القصة الطريفة لأذكر نفسي أنا أيضاً بخطورة أن نشير علي قاضٍ بما نراه حكماً واجباً.

فما بالنا بالله عز و جل من ( تصفه الصلوات السريانية القديمة المستخدمة حتي يومنا هذا في القداسات القديمة منذ ألفي عام و يزيد) بسيد السادات و قاضي القضاة.

وصف الله عز و جل بقاضي القضاة لا يتعارض فكراً ولا روحاً مع الدين الحنيف. إذاً ما دمنا قد إتفقنا إنه وحده تعالي هو” قاضي القضاة “.

بل والقاضي الأوحد في أعلي سماه. و مادمنا جميعاً نؤمن أن الله عز و جل يدرك أفكارنا و يري ما في قلوبنا. فكيف لا نرتعش إجلالاً ومهابة و توقيراً له ونسمح حتي لعقولنا بالحكم بما” يستوجب ” علي قاضي القضاة أن يحكم به؟ اليس قاضي القضاة أكثر عزةً من كل القضاة؟ من أقام البشر علي باريهم مشيرين أو ناصحين؟ من أعطي أي مؤمن علي إخيه الإنسان الحق في أن يحكم عليه بما هو متروك لأمر قاضي القضاة في أعلي سماه.

أرجو بهذه القصة أن نبتعد عن الجدال أو حتي عن التفكير فيما سيكون جزاء الآخرين. وٍسأنتقل بسرعة دون أن تطأ قدمي أرض حقل الالغام لأروي القصة التي رواها السيد المسيح لحواريه منذ الفي عام عن هذا الموضوع أيضاً. فلعل قصته هي حسم الأمر و خير الختام. قصته مفادها أنه كان لغني حقلا كبيراً.

خرج عند الفجر فرأي أحد العمال فقال تعال إعمل في حقلي. و حين تأتي الساعة الثانية عشرة سأوافيك بأجرتك ديناراً كاملاً.

ففرح العامل بهذا الأجر العظيم. وفي الساعة الحادية عشرة رأي صاحب الحقل رجلاً لم يستأجره أحد للعمل في الحقل هذا اليوم. فتحنن عليه و قال أدخل الي الحقل وأعمل مع الآخرين. و حين جاءت الساعة الثانية عشره جاؤه جميع العمال ليأخذوا أجرتهم. فبدأ بدفع أجرة العامل الذي إستاجره منذ ساعة فقط. (وهذه القصة هي حسبب التعبير الدارج في اللغة الإنجليزية
عن أصحاب الساعة الحادية عشرة) فقام صاحب العمل بإعطاء هذا العامل الذي لم يعمل إلا ساعة واحدة ديناراً. ثم تلاه العامل الذي كان يقف خلفه الذي دعاه صاحب العمل منذ بزوغ الفجر منتظراً أجرته. فأعطاه صاحب الحقل أيضاً ديناراً. فصرخ العامل و قال لصاحب الحقل مجدفاً صائحاً: “عملت عندك منذ الفجر وأعطيتني أجرة من عمل عندك ساعة واحدة.” فأجاب صاحب الحقل ياصاح أما علي دينار إتفقنا؟ دينارك أعطيتك. ما شأنك إن أعطيت من مالي ما أشاء لمن أشاء؟ علي دينار إتفقنا و ديناراً أعطيتك. ما ظلمتك يا صاح.” وكان السيد المسيح عليه السلام يعّلم الناس عن يوم الحساب.

و أنا علي يقين فعلاً أنه ما من إنسان له عند الله رجاءٌ صادقٌز إلا و سوف ينال هذا الرجاء. حاشا باالله أن يكسر الوعد أو يخزي الرجاء. أما عن الآخرين و لست أقول أصحاب الأديان الأخري بل أقول حتي عن من نراهم ديننا و لكنهم يبدون لنا في الظاهر غير صالحين. مالنا إن حكم عليهم قاضي القضاة بحكم غير ما نحكم؟ و ما لنا لو أجزل لهم في الخير وفيض العطاء؟ أنا علي يقين أن دينار المؤمنين سينالوه و أكثر. مالنا لو أعطاه الله الآخرين مما له وفتح لهم كنوز السماء؟ ماذا شأننا لو أن أمرأة كانت تبدو لنا علي الأرض غير ملتزمة,, ولكن لها الله ذنوبها و أسكنها قصوراً في سماه. أنحن علي أحكام الله صرنا حاكمين؟ او علي مال الله أصبحنا أوصياء أو مرشدين؟
مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟

ورد هذا القول حرفياً في الإنجيل

و سمعت معانيه مراراً من شيوخ الدين الحنيف الكرام الأجلاْء. نعم سيكرم الله من يشاء,, و سيعز من يشاء. وحده له ما في الأرض وما في السماء.

بقي أن أقول هذا الفكر لم آتي به اليوم بل هو ما علمني إياه أبي. و أوصاني أن أحفظه لحين لقياه.

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات